وإذا نظرتَ إلى سياقِ الآيةِ، وجدتَ أنه في الحديثِ عن بني إسرائيل، كما أنَّ الخوارجَ لم يكونوا عند نزولِ هذه الآياتِ، وإنما أرادَ المفسِّرُ أنْ يُنبِّه على دخولِ الخوارجِ في حكم هذه الآيةِ، وأنهم مثالٌ لقومٍ مالوا عن الحقِّ، فأمالَ اللهُ قلوبهم جزاءً وفاقًا لميلِهم، على سبيلِ القياسِ بأمرِ بني إسرائيلَ.
طريق معرفة سبب النُّزول:
سببُ النُّزولِ له حُكمُ الرَّفعِ؛ لأنَّه حكايةُ أمرٍ حدثَ في عهدِ النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، وهذا يعني أنَّه لا يُقبلُ إلاَّ ممن شَهِدَ الحدثَ (١)، أو كان من الصَّحابةِ الذين يروونَه، وإن لم يُشاهدوه (٢).
وهذا يعني أنَّ ورودَ أسبابِ النُّزولِ الصَّريحةِ عن الصَّحابةِ الكرامِ له حكمُ الرَّفعِ، وإلى هذا أشارَ جماعةٌ من العلماءِ؛ منهم الحاكمُ (ت: ٤٠٥)، فقد ذكر ذلك في مواطنَ من كتابه: المستدركِ على الصَّحيحين، وذكره كذلك في كتاب معرفة علوم الحديث، فقال: «... فأمَّا الموقوفُ على الصَّحابةِ، فإنَّه قلَّ ما يخفى على أهل العلم...
ومن الموقوف الذي يُستدلُّ به على أحاديث كثيرة: ما حدَّثناه أحمد بن كاملٍ القاضي، ثنا يزيد بن الهيثم، ثنا محمد بن جعفر الفيدي، ثنا ابن فضيل، عن أبي سنان، عن عبد الله بن أبي الهذيل، عن أبي هريرة رضي الله عنه في قول الله عزّ وجل: ﴿لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ﴾ [المدثر: ٢٩]، قال:
_________
(١) فائدة: يغلب على رواية أسباب النُّزولِ التي يرويها البخاري في كتاب التفسيرِ من صحيحه أن يسندها إلى صاحب الحدث الذي نزلت فيه.
(٢) ينظر مثلاً: فتح الباري، طـ: الريان (٨: ٣٦٠)، فقد روى البخاريُّ سبب نزول سورةِ المسد عن ابن عباس، وهو لم يشهد هذا الحدث.