ولقد كان إمامُ المفسِّرينَ ابنُ جريرٍ الطبريُّ (ت: ٣١٠) على هذا المنهج، وقد أشارَ إليه بقولِه: «... فهذه أوجهُ تأويلِ ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾ [الفاتحة: ٧]، باختلافِ أوجهِ إعرابِ ذلك.
وإنما اعتَرَضْنا بما اعتَرَضْنا في ذلك من بيان وجوه إعرابِه ـ وإن كان قصدُنا في هذا الكتابِ الكشفَ عن تأويلِ آي القرآنِ ـ لما في اختلافِ وجوهِ إعرابِ ذلك من اختلافِ وجوهِ تأويلِه، فاضطرَّتنا الحاجةُ إلى كشفِ وجوه إعرابهِ، لنكشف لطالبِ تأويلِه وجوهَ تأويلِه، على قدرِ اختلافِ المختلفةِ في تأويلِه وقراءتِه» (١).
* كما كانت ظاهرةُ بناء الإعرابِ على المعنى بارزةً عنده كذلك، وله في تفسيرِه أمثلةٌ، منها:
في تفسيرِ قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ﴾ [البقرة: ٢١٧]، قال الطَّبريُّ (ت: ٣١٠): «وهذان الخبرانِ عن مجاهد والضحاك (٢) يُنبئانِ عن صحَّةِ ما قُلنا في رفع «الصَّدِّ» و «الكفر به»، وأنَّ رافعَه «أكبر عند الله»، وهما
_________
(١) تفسير الطبري، تحقيق: شاكر (١: ١٨٤).
(٢) قال مجاهد (ت: ١٠٤): «يقول: صدٌّ عن المسجد الحرام، وإخراجُ أهله منه = فكل هذا أكثرُ من قتلِ ابن الحضرميِّ، والفتنة أكبر من القتل = كفرٌ بالله وعبادة الأوثان، أكبر من هذا كلِّه».
وقال الضحاك بن مزاحم (ت: ١٠٥): «كان أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم قتلوا ابن الحضرمي في الشهر الحرام، فعيَّرَ المشركون المسلمين بذلك، فقال الله: قتال في الشهر الحرام كبيرٌ، وأكبر من ذلك صدٌّ عن سبيل الله وكفرٌ به وإخراج أهل المسجد الحرام من المسجد الحرام».