كلامَ العربِ لا يُساعد على قولِهم ـ عربٌ (١)، وهم أدرى منه بلغتِهم، وأقدرُ على تحديدِ مرادِ اللهِ بكلامهِ من غيرِهم من المتأخرينَ عنهم، فكيفَ غفلَ عن هذا؟!
ولو كان رحمه الله يجعل تفسيرَهم حجةً يحتكمُ إليه، ويبني عليه الإعرابَ، لما قال هذا القولَ.
وهذا الاعتراضُ ـ فيما يبدو ـ متناسقٌ مع رأيه في أنَّ النَّحويَّ قادرٌ على معرفةِ التَّفسيرِ بدونِ الرُّجوعِ إلى تفسيرِ السَّلفِ، وقد حكى مذهبَه هذا في مقدِّمةِ تفسيرِه.
قال: «ومن أحاط بمعرفةِ مدلولِ الكلمةِ، وأحكامِها قبلَ التَّركيبِ، وعَلِمَ كيفيَّةَ تركيبِها في تلكَ اللُّغةِ، وارتقى إلى تمييزِ حُسْنِ تركيبِها وقُبحِه = فلن يحتاج في فهم ما تركَّبَ من الألفاظِ إلى مُفهِّم ومُعلِّم، وإنما تفاوتَ النَّاسُ في إدراكِ هذا الذي ذكرناه، فلذلك اختلفت أفهامهم، وتباينت أقوالُهم.
وقد جرينا الكلام يومًا مع بعضِ من عاصرنا، فكان يزعم أنَّ علمَ التَّفسيرِ مضطرٌّ إلى النَّقلِ في فهمِ معاني تراكيبه الإسناديَّةِ إلى مجاهد وطاوس وعكرمة وأضرابِهم، وأنَّ فهم الآيات متوقِّفٌ على ذلك.
والعجب له أنه يرى أقوالَ هؤلاء كثيرةَ الاختلافِ، متباينةَ
_________
(١) وردت الرواية التي اعترض عليها أبو حيان، عن ابن عباس وابن أبي مُليكة وسعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة والقاسم بن أبي بزة. ينظر: تفسير الطبري، تحقيق: شاكر (١٦: ٣٥ - ٣٧).