الأوصافِ، متعارضةً ينقضُ بعضُها بعضًا (١)...» (٢).
ومن ثَمَّ، فإنَّ الاهتمامَ بمسائلِ النَّحوِ التي لها أثرٌ في المعنى واختلافِه مطلبٌ مهمٌّ لمفسِّرِ القرآنِ، ومن الأمثلةِ الموضحة لذلك:
اختلاف المعنى بمعرفةِ الفرقِ بين واو العطف وواو الاستئنافِ، في قوله تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَاوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ [آل عمران: ٧]، فإن كانت عاطفةً فالمعنى: وما يعلم تفسيرَه إلاَّ الله والراسخون في العلم. وإن كانت مستأنفةً، فالمعنى: ما يعلم حقيقة ما يؤول إليه إلاَّ الله وحده، أما الراسخون في العلم فيقولون آمنَّا به...
وفي قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ [النمل: ٣٤]، إن كانت الواو عاطفةً، فجملةُ: ﴿وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ من تمام كلام ملكة سبأ. وإن كانت الواو استئنافيَّةً، فالكلام تعقيب من الله على كلامها، لتأكيد ما قالته.
ومثلُه اختلافُ المعنى بسببِ احتمالِ «ما» أن تكونَ تعجُّبيَّةً أو استفهاميَّةً في قوله تعالى: ﴿قُتِلَ الإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ﴾ [عبس: ١٧]، فإن كانت تعجبيةً فالمعنى: ما أشدَّ كفرَه.
وإن كانت استفهاميَّةً، فالمعنى: ما الذي جعله يكفر؟
أو أن تكونَ نافيةً أو موصولةً في قوله تعالى: ﴿وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ﴾
_________
(١) هذه دعوى عريضة، ولم يدلِّل عليها أبو حيَّان، وهو عالمٌ باللغة، ولو تأمَّل أقوالَ السلفِ بحسِّه اللُّغويِّ، لما وجد هذا التَّناقضَ الكثيرَ الذي يزعمه، ولكن يبدو أنَّ موقف ردِّ هذا القول جعلَه يُصدرُ هذا الحكم.
(٢) البحر المحيط، لأبي حيان، تحقيق: عرفات العشا حسونة (١: ١٣).