قال ابن عطيَّةَ (ت٥٤٢هـ) ـ معلقاً على قول مجاهد وعكرمة ـ: «وحكى الطَّبريُّ عن عكرمةَ ومجاهد أنَّ هذه الآيةَ مكيَّةٌ... ويحتملُ عندي قول عكرمةَ ومجاهدٍ: «هذه مكيَّةٌ»، أن أشارا إلى القصَّةِ لا إلى الآيةِ» (١).
وإذ خُرِّج قول مقاتل ومن سبقه على ما ذهب إليه ابن عطية لم يكن مرادهم النُّزول، وإنما مرادهم زمن قصة الآية فحسب.
فإن قُلت: هل عُهِد من السلف مثل هذا التعبير في المكي والمدني؟
فالجواب: إن هذا يحتاج إلى استقراء، لكن ما ذكر لك من باب التخريج ليلتئم القول على ما هو مشهور من كون نزول سورة الأنفال كلها في المدينة، وباب التخريج واسع.
٢ - قال السيوطي: «الأحقاف: استثني منها ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ [١٠]، فقد أخرج الطبراني بسند صحيح عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه أنها نزلت بالمدينة في قصة إسلام عبد الله بن سلام رضي الله عنه، وله طرق أخرى، لكن أخرج ابن أبي حاتم عن مسروق قال: أنزلت هذه الآية بمكة، إنما كان إسلام ابن سلام بالمدينة، وإنما كانت خصومة خاصم بها محمداً صلّى الله عليه وسلّم» (٢).
الحكم بنُزول هذه الآية في عبد الله بن سلام رضي الله عنه وارد عن جمع من الصحابة والتابعين، وقد ذكر الطبري (ت٣١٠هـ) وغيره الرواية عنهم في ذلك، فقد ورد عن سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن سلام، وابن عباس، وعوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنهم، ومجاهد، وقتادة، والضحاك، والحسن، وابن زيد (٣)، على اختلاف بينهم في النص على عبارة النُّزول.
وقد اعترض مسروق على هذا المذهب، ومما ورد عنه في ذلك ما رواه الطبري (ت٣١٠هـ) بسنده عن الشعبي عن مسروق في قوله تعالى: {قُلْ
_________
(١) تفسير ابن عطية، ط. قطر (٦: ٢٧٢).
(٢) الإتقان: (١: ٤٤ - ٤٥).
(٣) تفسير الطبري، ط. دار هجر، تحقيق الدكتور عبد الله التركي (٢١: ١٢٦ - ١٣١).


الصفحة التالية
Icon