أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [الأحقاف: ١٠] الآية، قال: «كان إسلام ابن سلام بالمدينة، ونزلت هذه السورة بمكة، إنما كانت خصومة بين محمد صلّى الله عليه وسلّم وبين قومه فقال: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ﴾ [الأحقاف: ١٠] قال: التوراة مثل الفرقان، وموسى مثل محمد، فآمن به واستكبرتم، ثم قال: آمن هذا الذي من بني إسرائيل بنبيه وكتابه، واستكبرتم أنتم فكذبتم أنتم نبيكم وكتابكم ﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي﴾ إلى قوله: ﴿هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ﴾ [الأحقاف: ١٠ - ١١]».
وقد تبعه على ذلك الشعبي، فقد روى الطبري (ت٣١٠هـ) بسنده عنه، قال: «إن ناساً يزعمون أن الشاهد على مثله: عبد الله بن سلام، وأنا أعلم بذلك، وإنما أسلم عبد الله بالمدينة، وقد أخبرني مسروق أن آل حم إنما نزلت بمكة، وإنما كانت محاجَّة رسول الله (ص) لقومه فقال: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ [الأحقاف: ١٠] يعني: الفرقان ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ﴾ [الأحقاف: ١٠]، فمثل التوراة الفرقان؛ التوراة شهد عليها موسى، ومحمد على الفرقان، صلى الله عليهما وسلم» (١).
ويستفاد من قول الجمهور أنَّ الآية مدنية النُّزول، وقد وُضِعت في سورة مكية، وهذا ظاهر مذهبهم في ذلك.
ولو جعلت قول مسروق ومن تبعه هو المقدَّم، فإنه يلزم في تخريج الروايات الواردة عن الجمهور ما يأتي:
١ - أن تكون الآية مما تقدم نزوله وتأخر حكمه، كما ورد في قوله تعالى: ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ﴾ [القمر: ٤٥]، فقد روى الطبري (ت٣١٠هـ) بسنده عن أيوب قال: لا أعلمه إلا عن عكرمة أن عمر قال: «لما نزلت ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ﴾ [القمر: ٤٥] جعلت أقول: أي جمع يهزم؟ فلما كان يوم بدر رأيت النبي صلّى الله عليه وسلّم يثب في الدرع ويقول: ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ﴾ [القمر: ٤٥]» (٢)
_________
(١) تفسير الطبري، ط. دار هجر، تحقيق الدكتور عبد الله التركي (٢١: ١٢٦).
(٢) تفسير الطبري، ط. دار هجر، تحقيق الدكتور عبد الله التركي (٢٢: ١٥٧).


الصفحة التالية
Icon