ومما نزل مبكراً، وتأخر وقوعه قوله تعالى: ﴿وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ﴾ [البلد: ٢]، على من فسَّر الآية بأنها: حلال لك أنت تصنع في مكة ما تشاء (١)، وكان ذلك يوم الفتح، والآية مكية.
٢ - أن يكون الرسول صلّى الله عليه وسلّم تلا هذه الآية عليهم في ذلك الحدث، فظن بعضهم أنها لتوها نزلت في هذا الشأن، وليس الأمر كذلك، بل يكون في قراءته التنبيه على شمول الآية لحال ابن سلام رضي الله عنه وأمثاله ممن يؤمن من أهل الكتاب.
وقد وقع في بعض الآثار ما يشير إلى هذا، ومن ذلك ما رواه الطبري (ت٣١٠هـ) عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ﴾ [القمر: ٤٥]، قال: «كان ذلك يوم بدر قال: قالوا: نحن جميع منتصر. قال: فنَزلت هذه الآية» (٢) فابن عباس رضي الله عنهما ـ مع كونه لم يحضر بدراً ـ عبَّر بالنُّزول، لِمَا سمع من قراءة النبي صلّى الله عليه وسلّم لها في هذا الموطن، والله أعلم.
٣ - أن يكون في التعبير بالنُّزول توسُّعٌ ممن قال به، ولا يكون مراده السببية المباشرة، وإنما مراده التفسير، والحكم بدخول حال ابن سلام رضي الله عنه في معنى الآية (٣).
_________
(١) قال به ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، وابن زيد، وعطاء، والضحاك، تفسير الطبري، ط. دار هجر، تحقيق الدكتور عبد الله التركي (٢٤: ٤٠٣ - ٤٠٥).
(٢) تفسير الطبري، ط. دار هجر، تحقيق الدكتور عبد الله التركي (٢٢: ١٥٨).
(٣) هذه الآية من الآيات المشكلة من جهة المراد بها أولاً، وقد أوقعت الإمام الطبري في التأرجح في الترجيح بين القولين، فالسياق مع قول مسروق والشعبي، وعبارات الصحابة ومن تبعهم تدل على نزولها في عبد الله بن سلام، قال الطبري (ت٣١٠هـ): «والصواب من القول في ذلك عندنا أن الذي قاله مسروق في تأويل ذلك أشبه بظاهر التنزيل؛ لأن قوله: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ﴾ في سياق توبيخ الله ـ تعالى ذكره ـ مشركي قريش واحتجاجاً عليهم لنبيه صلّى الله عليه وسلّم، وهذه الآية نظير سائر الآيات قبلها، ولم يَجْرِ لأهل الكتاب ولا لليهود قبل ذلك ذِكْرٌ فتوجه هذه الآية إلى أنها فيهم نزلت، ولا دَلَّ على انصراف الكلام عن قصص الذين تقدم الخبر عنهم معنى.
غير أن الأخبار قد وردت عن جماعة من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بأن ذلك عني به =


الصفحة التالية
Icon