والذي يعنينا من هذا هو طريقة أبي الأسود الدؤلي (ت٦٧، وقيل: ٦٩هـ) في نقط المصحف، وهو الذي اصطلح عليه باسم (النقط المدوَّر) وذكره بعضهم باسم (نقط الإعراب)، ومن هذه الروايات ما قاله محمد بن يزيد المبرد، قال: «لما وضع أبو الأسود الدؤلي النحو (١) قال: ابغوا لي رجلاً، وليكن لَقِناً، فطُلِبَ الرجل فلم يوجد إلا في عبد القيس، فقال أبو الأسود: إذا رأيتني لفظتُ بالحرف فضممت شفتي، فاجعل أمام الحرف نقطة، فإذا ضممتُ شفتي بغنة (٢) فاجعل نقطتين.
فإذا رأيتني قد كسرتُ شفتي، فاجعل أسفل الحرف نقطة، فإذا كسرتُ شفتي بغنة، فاجعل نقطتين.
فإذا رأيتَني قد فتحتُ شفتي، فاجعل على الحرف نقطة، فإذا فتحتُ شفتي بغنة، فاجعل نقطتين. قال أبو العباس: فلذلك النقط بالبصرة في عبد القيس إلى اليوم».
ويمكن تدوين الملاحظات الآتية على عمل أبي الأسود (٣):
١ - أن أبا الأسود اعتمد على وضع الشفتين في تمييز نوع الحركة.
٢ - أنه اعتمد النقطة ومكانها في الدلالة على الحركة.
٣ - أن عمله هذا صار ـ فيما يبدو ـ أصلاً للمصطلحات النحوية الثلاثة: الفتحة والكسرة والضمة.
٤ - يظهر أن أبا الأسود ضبط أواخر الكلمات، ولم يضبط غيرها، وهذا يدل على أن المراد حماية كلام العرب من الوقوع في اللحن المتعلق بالحركات.
٥ - أنه اعتمد المداد الأحمر للنقط؛ ليتميز عن رسم الحروف الذي كان باللون الأسود.
_________
(١) في بعض الروايات الورادة عن أبي الأسود المتعلقة بهذا العمل أنه لما أراد نقط المصاحف.
(٢) يقصد التنوين.
(٣) ينظر: رسم المصحف دراسة لغوية تاريخية (ص٥٠٤ - ٥٠٥).