جبريل عليه السلام على النبي صلّى الله عليه وسلّم في السنة كلها إلى مثلها من قابل، حتى نزل القرآن كله في ليلة القدر من شهر رمضان من السماء» (١).
وهذا المعنى الذي أشار إليه مقاتل من كونه ينْزل إلى السفرة في ليلة القدر من كل سنة إبَّان بعثة النبي صلّى الله عليه وسلّم ما سينْزل عليه خلال السنة = موافق لما قيل من أنَّ الله يقدِّر في ليلة القدر مقادير السنة الآتية، ويُنْزلها إلى الكتبة من الملائكة.
فوائد تنجيم النُّزول:
إنَّ الله سبحانه قادر على أن يكون كتابه على طريقة الكتب السابقة التي نزلت جملة واحدة؛ كالتوراة التي تضمنت التشريع (٢)، والإنجيل الذي تضمَّن المواعظ، وأن يكون ما يحدث من الوقائع منصوصاً عليه بالنوع الآخر من الوحي، وهو السنة، كما هو الحال في بعض الأحكام التي حكم الله بها، وذكرها في السنة لا في القرآن، لكنه قد قضى ـ بعلمه الكامل وحكمته التامة ـ أن يكون نزول القرآن منجَّماً (مفرَّقاً) حسب الوقائع والأحداث، وأن يكون متضمناً لأنواع ما تضمنته الكتب السابقة من الشرع والوعظ والأخبار. ومن ثمَّ فإنَّ البحث في فوائد تنجيم القرآن ينطلق من هذا القَدَرِ الذي جعله الله للقرآن.
ومن فوائد تنجيمه ما يأتي:
١ - تثبيت فؤاد الرسول (ص) بسبب ما يلاقيه من عنت المشركين،
_________
(١) تفسير مقاتل، ط. دار الكتب العلمية (٣: ٥٠٣).
(٢) ذهب إلى هذا الرأي كثير من العلماء، وقد أخذوا ذلك من جملة من الدلائل؛ كقوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً﴾ [الفرقان: ٣٢]، قال ابن جريج: «قوله: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً﴾ كما أنزلت التوراة على موسى»، ويشهد لهذا قوله تعالى: ﴿وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَامُرْ قَوْمَكَ يَاخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ﴾ [الأعراف: ١٤٥]، وما كتب له هو التوراة.