المبحث الثاني
أول ما نزل من القرآن
لم يقع خلاف بين العلماء في أن أول ما نزل من القرآن على الإطلاق هو أول خمس آيات من سورة العلق، فقد ثبت ذلك بالدليل الصريح، فعن محمد بن شهاب الزهري عن عروة بن الزبير أخبره أن عائشة زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم قالت: (كان أول ما بدئ به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حُبِّبَ إليه الخلاء، فكان يلحق بغار حراء، فيتحنَّثُ فيه ـ قال والتَّحنُّثُ: التعبد ـ الليالي ذوات العدد قبل أن يرجع إلى أهله ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود بمثلها، حتى فَجَأَه الحقُّ وهو في غار حراء، فجاءه الملك، فقال: اقرأ.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما أنا بقارئ.
قال: فأخذني، فغطَّني حتى بلغ مني الجَهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ.
قلت: ما أنا بقارئ. فأخذني، فغطَّني الثانية حتى بلغ مني الجَهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ.
قلت: ما أنا بقارىء. فأخذني، فغطَّني الثالثة حتى بلغ مني الجَهد، ثم أرسلني، فقال: ﴿اقْرَا بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ *خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ *اقْرَا وَرَبُّكَ الأَكَرَمُ *الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ *عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق: ١ - ٥].
فرجع بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ترجف بوادره حتى دخل على خديجة، فقال: «زَمِّلُوني زَمِّلُوني». فزمَّلوه حتى ذهب عنه الرَّوع. قال لخديجة: «أي خديجة، ما لي؟ لقد خشيت على نفسي». فأخبرها الخبر.
قالت خديجة: كلا، أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبداً، فوالله إنك


الصفحة التالية
Icon