لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَصْدُقُ الحديثَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتُكْسِبُ المعدومَ، وتَقْرِي الضيفَ، وتُعِينُ على نوائب الحقِّ.
فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل ـ وهو ابن عم خديجة أخي أبيها، وكان امرأً تنَصَّر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العربي، ويكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخّاً كبيراً قد عَمِيَ ـ فقالت خديجة: يا ابن عم، اسمع من ابن أخيك.
قال ورقة: يا ابن أخي، ماذا ترى؟
فأخبره النبي (ص) خبر ما رأى.
فقال ورقة: هذا الناموس الذي أنزل على موسى. ليتني فيها جذعاً، ليتني أكون حيّاً ـ ذكر حرفاً ـ (١).
قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أو مخرجي هم؟».
قال ورقة: نعم، لم يأت رجل بما جئت به إلا أوذي، وإن يدركني يومك حيّاً أنصرك نصراً مؤزراً. ثم لم ينشب ورقة أن توفي، وفَتَرَ الوحيُ فترةً حتى حزن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) (٢).
وهذا صريح في أن أول نزولٍ للقرآن كان في غار حراء، وأن أول ما نزل منه هذه الآيات الخمس من أول سورة العلق.
بيد أنه ورد عن جابر بن عبد الله المدني رضي الله عنهما خلاف ذلك، حيث جعل سورة المدثر أول ما نزل.
روى البخاري بسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو يحدث عن فترة الوحي، فقال في حديثه: «فبينا أنا أمشي إذ سمعت صوتاً من السماء، فرفعت رأسي، فإذا المَلَكُ الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض، فجثيت منه رعباً، فرجعت، فقلت: زَمِّلُوني
_________
(١) هكذا جاءت هذه الكلمة في هذه الرواية، وفي رواية أخرى عند البخاري برقم (٤): «ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك...».
(٢) أخرجه البخاري برقم (٤، ٤٩٥٤)؛ ومسلم برقم (١٦٠).