بلا سند، وتلك لا ترقى إلى حكم القسم الثاني فضلاً عن الأول؛ لذا قد يدخلها الخطأ، فهي لا تُحسب من القراءات عند التمحيص والتمييز والتحقيق.
هل يجوز لأحد كائنٍ من كان أن يحذف ما ثبتت قرآنيته؟
الجواب ـ بلا شكٍّ ـ: لا.
إذن؛ ما دامت قد ثبتت قرآنية هذه الكلمات المتروكة، وثبت أنها مما لم يقرأ به الصحابة بعد جمع عثمان الناس على ما صحَّ في العرضة الاخيرة؛ فإن هذا يدلُّ على أنَّ الذي أمر بتركها هو الذي أمر بقراءتها أولاً، وهو المنْزل لها؛ إذ من فوائد حديث إنزال الأحرف أن النبي صلّى الله عليه وسلّم يخبر أن القرآن (أُنزِل) والمنْزل جبريل، الآمر بالإنزال هو الله ـ سبحانه وتعالى ـ القائل: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: ٩]، فهو الذي له حق النسخ.
أما ما يُنسب لعثمان رضي الله عنه من أنه أبقى حرفاً واحداً، فإن ذلك أمر لا يصح، ولو قال به من له جلالة ومنْزلة في العلم؛ لأنَّ ذلك يعني أنَّ أحرفاً نزلت، وأن بعض الأمة قد تركها، وهذه الأحرف التي يُدَّعى أنها تركت إنما هي قرآن، وتركها مخالف لقوله تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: ٩] (١)..
_________
(١) ممن استنكر هذا، وشنَّع عليه أبو محمد بن حزم، قال: «وأما دعواهم أن عثمان رضي الله عنه أسقط ستة أحرف من جملة الأحرف السبعة المنزل بها القرآن من عند الله عزّ وجل فعظيمة من عظائم الإفك والكذب، ويُعيذ الله تعالى عثمان رضي الله عنه من الردة بعد الإسلام، ولقد أنكر أهل التعسف على عثمان رضي الله عنه أقل من هذا مما لا نُكرة فيه أصلاً، فكيف لو ظفروا له بمثل هذه العظيمة، ومعاذ الله من ذلك، وسواء عند كل ذي عقل إسقاط قراءة أنزلها الله تعالى أو إسقاط آية أنزلها الله تعالى، ولا فرق.
وتالله؛ إن من أجاز هذا غافلا، ثم وقف عليه وعلى برهان المنع من ذلك، وأصرَّ، فإنه خروج عن الإسلام لا شكَّ فيه؛ لأنه تكذيب لله تعالى في قوله الصادق لنا: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: ٩]، وفي قوله الصادق: ﴿إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ﴾ ﴿فَإِذَا قَرَانَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ﴾ [القيامة: ١٧ - ١٨]، فالكل مأمورون باتباع قرآنه الذي أنزله الله تعالى عليه وجمعه، فمن أجاز خلاف ذلك، فقد أجاز خلاف الله =


الصفحة التالية
Icon