كانت الآية مكية، وحُكِي لها سبب نزول مدنيٍّ، فقد تكون نزلت أول مرة عامَّة، ثمَّ نزلت مرة أخرى لسبب معيَّنٍ؛ كقوله تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [الأحقاف: ١٠].
فقد ورد أن الشاهد هو عبد الله بن سلام، وسورة الأحقاف مكية، وفي مثل هذا المثال تقع الاحتمالات الآتية:
١ - أن تكون نزلت مرة عامةً، ثمَّ نزلت مرة أخرى خاصَّة لبيان دخول ابن سلام فيها، وهذا الاحتمال العقلي مجرد افتراض يحتاج إلى أثر يؤكده، وذلك ما لا وجود له.
٢ - أن تكون الآية مدنيةً، وتكون نزلت بالفعل في عبد الله بن سلام، لكنها وُضِعت في سورة مكيَّةٍ لشيءٍ من مناسبتها بموضوع الآيات المكية.
وهذا الاحتمال أقرب إلى القبول من الاحتمال الأول، وله في ذاته شواهد، وهو وضع آيات مدنية في سور مكية.
٣ - أن تكون الآية مكية، ولم يقع حكمها إلا في المدينة، وهذا احتمال عقليٌّ آخر، لكن هذا التخريج يخرج بالآية عن أن تكون في باب أسباب النُّزول؛ لأنَّ أسباب النُّزول تقع قبل الآية لا بعدها.
٤ - أن يكون الرسول صلّى الله عليه وسلّم قرأها، فحسب من رواها أنها نزلت بشأن ذلك السبب، والفرق بين ذلك وسابقه أن الاحتمال السابق يقول بأن الشاهد المراد بالآية عبد الله بن سلام، ولم يتبين ذلك إلا بعد وقوع حادثته.
أما في الرابع فتكون الآية عامَّة، وتكون قراءة النبي صلّى الله عليه وسلّم لها بعد حادث عبد الله بن سلام استشهادًا منه لصورة من الصور التي تدخل في عموم الآية.