تمنع العادة اتفاق الاثنين عليها بلا مواطأة من أحدهما لصاحبه.
(٦٥) فإن الرجل قد يتفق أن ينظم بيتًا وينظم الآخر مثله، أو يكذب كذبة ويكذب الآخر مثلها، أما إذا أنشأ قصيدةً طويلةً ذات فنون على قافية ورَوِيٍّ فلم تَجْرِ العادة بأن غيره ينشئُ مثلها لفظًا ومعنى مع الطول المفرط، بل يُعلم بالعادة أنه أخذها منه، وكذلك إذا حَدَّثَ حديثًا طويلاً فيه فنون، وحَدَّث آخر بمثله، فإنه إما أن يكون واطأه عليه أو أخذه منه، أو يكون الحديث صدقًا.
(٦٦) وبهذه الطريق يُعلَم صدق عامة ما تتعدد جهاته المختلفة على هذا الوجه من المنقولات وإن لم يكن أحدها كافيًا؛ إما لإرساله، وإما لضعف ناقله، لكن مثل هذا لا تضبط به الألفاظ والدقائق التي لا تعلم بهذه الطريق، بل يحتاج ذلك إلى طريق يثبت بها مثل تلك الألفاظ والدقائق، ولهذا ثبتت غزوة بدر بالتواتر، وأنها قبل أُحد، بل يعلم قطعًا أن حمزة وعليًّا وعبيدة برزوا إلى عتبة وشيبة والوليد، وأن عليًّا قتل الوليد، وأن حمزة قتل قِرْنَه، ثم يُشَكُّ في قِرْنِهِ هل هو عتبة أو شيبة؟
(٦٧) وهذا الأصل ينبغي أن يُعرف، فإنه أصلٌ نافعٌ في الجزم بكثير من المنقولات في الحديث والتفسير والمغازي وما ينقل من أقوال الناس وأفعالهم وغير ذلك (١).
(٦٨) ولهذا إذا رُوي الحديث الذي يتأتى فيه ذلك عن النبي صلّى الله عليه وسلّم من وجهين، مع العلم بأن أحدهما لم يأخذه عن الآخر جُزم بأنه حق، لا سيما إذا عُلِمَ أن نقلَته ليسوا ممن يتعمد الكذب، وإنما
_________
(١) هذا الكلام يدخل في باب النقد التاريخي، وهو مهمٌّ جدًّا، ولعلماء الجرح والتعديل في هذا عناية فائقة يُستفاد منها في نقد كثيرٍ من المنقولات.