يُخاف على أحدهم النسيان والغلط، فإن من عَرَفَ الصحابة؛ كابن مسعود، وأُبيِّ بن كعب، وابن عمر، وجابر، وأبي سعيد، وأبي هريرة وغيرهم = عَلِمَ يقينًا أنَّ الواحد من هؤلاء لم يكن ممن يتعمد الكذبَ على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فضلاً عمَّن هو فوقهم، كما يعلمُ الرجلُ من حالِ من جرَّبه وخَبَرَهُ خِبْرَةً باطنةً طويلةً أنه ليس ممن يسرق أموال الناس، ويقطعُ الطريق، ويشهد بالزُّور، ونحو ذلك.
(٦٩) وكذلك التابعون بالمدينة ومكة والشام والبصرة، فإن من عَرَفَ مثل أبي صالح السَّمان، والأعرج، وسليمان بن يسار، وزيد بن أسلم، وأمثالهم = عَلِمَ قطعًا أنهم لم يكونوا ممن يتعمد الكذب في الحديث، فضلاً عمن هو فوقهم، مثل محمد بن سيرين، أو القاسم بن محمد، أو سعيد بن المسيب، أو عَبِيدَة السَّلْمَاني، أو علقمة، أو الأسود، أو نحوهم (١).
(٧٠) وإنما يخاف على الواحد من الغلط؛ فإن الغلط والنسيان كثيرًا ما يعرض للإنسان.
(٧١) ومن الحفاظ من قد عَرَفَ الناس بُعْدَه عن ذلك جدًا، كما عرفوا حال الشعبي والزهري وعروة وقتادة والثوري وأمثالهم، لا سيما الزهري في زمانه، والثوري في زمانه، فإنه قد يقول القائل: إن ابن شهاب الزهري لا يُعْرَفُ له غَلَطٌ مع كثرة حديثه، وسَعَةِ حفظه.
_________
(١) هذا الموضوع، وهو معرفة أحوال الرجال، ودراسة حياتهم = مما افتقدته بعض الدراسات الاستشراقية الحاقدة أو الاستغرابية المقلدة للاستشراق، فلم يقرءوا في تدوين السنة وأحوال رجالها، فتراهم يسخرون من الحديث النبوي، ويستغربون من طريقة حفظه، بل قد يهزءون، والعياذ بالله. أما هم، فيعتبرون أنفسهم أصحاب المنهج العلمي الصحيح الذي يجب أن تعرض عليهم تجارب الأمم ليصححوها أو يفنِّدوها، سبحانك ربي هذا بهتان عظيم.