والآخرون رَاعَوا مجرد اللفظ، وما يجوز عندهم أن يريد به العربي، من غير نظر إلى ما يصلح للمتكلِّمِ وسياق الكلام.
(٨٧) ثم هؤلاء كثيرًا ما يغلطون في احتمال اللفظ لذلك المعنى في اللغة (١)، كما يغلط في ذلك الذين قبلهم (٢)، كما أن الأولين كثيرًا ما يغلطون في صحة المعنى الذي فسروا به القرآن (٣)، كما يغلط في ذلك الآخرون (٤)، وإن كان نظر الأولين إلى المعنى أسبق، ونظر الآخرين إلى اللفظ أسبق.
_________
(١) أي أنهم يفسرون القرآن بمعنى لغويٍّ صحيح، لكن لا يكون هو المراد في الآية المفسَّرة، ولا يُفهم منه أنهم يغلطون في احتمال اللفظ معناه في اللغة، فالوقوع في هذا ليس بكثيرٍ.
(٢) في هذا إشارة إلى شيءٍ من التلازم بين أهل النظر إلى المعنى وأهل النظر إلى اللفظ، ذلك أنَّ أهل المعنى يغلطون في المعنى المراد ثمَّ هم قد يستدلون لهذا المعنى بدلالة لغوية صحيحة، لكنها ليست المرادة في ذلك السياق، ولا هي تتلاءم معه.
ومن نظر إلى اللفظ، وفسَّر به دون النظر إلى ملابساته، فإنه سينتج عنه خطأ في المعنى؛ لأنَّ كون هذا المعنى من جهة العربية صحيحًا؛ لا يلزم منه أن يكون هو المراد بمعنى اللفظ في الآية.
وسيأتي في الشرح بيان الأمثلة الموضحة لذلك.
(٣) هذا يعني أنه قد يفسر هؤلاء القرآن بمعانٍ باطلة غير صحيحة، وهذا واقع عند كثير من طوائف أهل البدع على تفاوت بينهم في هذه المعاني الباطلة، كمن يجيز الرقص للصوفية مستدلاً بقوله تعالى: ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ﴾، فالمعنى الذي فسَّروا به القرآن ـ وهو جواز الرقص للرجال ـ باطل.
(٤) كمن يفسر الاستواء بالاستيلاء، وهو معنى باطل لم يرد في لغة العرب، فمن ينفي الاستواء بمعنى العلو، ثمَّ يفسره بالاستيلاء، قد وقع في أمور:
١ - أنه نفى معنى صحيحًا ثابتًا لله تعالى.
٢ - أنه فسَّر الاستواء بمعنى لم يرد في لغة العرب، وهو الاستيلاء.
٣ - أنه حمل كلام الله على معنى باطل بسبب اعتماد معنى باطل من جهة اللغة.