ذلك قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ [الأعراف: ٣٣]، فجعل القول عليه بغير علم من المحرمات، والتفسير قول على الله، فإن كان بغير علم كان من المحرمات كما ورد في الآية.
وهذا النوع من الرأي هو الذي نهى عنه السلف، وعليه تُحمل نصوصهم الواردة في النهي عن الرأي في التفسير، والله أعلم.
أما ما ورد من تحرُّجهم من التفسير، فهم على قسمين:
القسم الأول: من لم يقل في التفسير تحرُّجًا، وندرت عنه الرواية في ذلك؛ كعروة بن الزبير (ت: ٩٣)، الذي قال عنه ابنه هشام (ت: ١٤٦): «ما سمعت أبي يتأوَّل آية من كتاب الله قط».
ويلاحظ أنَّ هذا المذهب لم يرد عن أحد الصحابة، ولم يُنقل أنَّ أحد أعلام الصحابة الكرام توقَّف عن عموم التفسير تحرُّجًا سوى الرواية التي أوردها الطبري عن جندب بن عبد الله البجلي (ت: بعد ٦٠)، فقد جاء في الرواية أن طلق بن حبيب سأله عن آية من القرآن، فقال له: «أُحرِّج عليك إن كنت مسلمًا لما قمتَ عني، أو قال: أن تجالسني» (١).
وهذه الرواية قد تكون من أجل مسألة مشكلة، ولا يلزم منها أنه كان يمتنع عن عموم التفسير، وإن كان الأمران محتملين.
القسم الثاني: من وردت عنه أقوال في التفسير، وورد عنه التوقف في بعض التفسيرات من باب التحرُّج؛ كسعيد بن المسيِّب.
ويمكن ملاحظة أنَّ هؤلاء لم يكونوا يحرصون على الاجتهاد في التفسير، مع أنهم يملكون أدواته، وإنما كانوا يتكلمون في المعلوم من التفسير، وهو المنقول لهم عمَّن قبلهم من الصحابة أو بعض أقرانهم، لذا قد
_________
(١) تفسير الطبري، تحقيق: شاكر (١: ٨٦).