تفسِّر القرآن، وتبينه، وتدل عليه، وتعبر عن مُجْمَلِهِ، وأنها تفسر مجمل القرآن من الأمر والخبر» (١).
وقد ذكر الشاطبي قريبًا من هذا في الموافقات، فقال ـ وهو يتحدث عن علاقة السنة بالقرآن ـ: «إن السنة إنما جاءت مبينة للكتاب شارحة لمعانيه، ولذلك قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: ٤٤]. وقال: ﴿يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾ [المائدة: ٦٧]، وذلك التبليغ من وجهين: تبليغ الرسالة، وهو الكتاب، وبيان معانيه، وكذلك فعل صلّى الله عليه وسلّم، فأنت إذا تأملت موارد السنة وجدتها بيانًا للكتاب، هذا هو الأمر العام فيها... فكتاب الله تعالى هو أصل الأصول، والغاية التي تنتهي إليها أنظار النظار، ومدارك أهل الاجتهاد، وليس وراءه مرمى، لأنه كلام الله القديم (٢)، وأن إلى ربك المنتهى، وقد قال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ [النحل: ٨٩]، وقال: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: ٣٨]» (٣).
وهذا مما لا يكاد يخفى على مسلم؛ لأن في القرآن ما لا يُعلم تفسيره إلا من جهة النبي صلّى الله عليه وسلّم، كما نص على ذلك الطبري (ت: ٣١٠)، وهو يتحدث عن الوجوه التي يؤخذ من قِبَلها تأويل القرآن، قال: «... والوجه الثاني: ما خص الله بعلم تأويله نبيه صلّى الله عليه وسلّم دون سائر أمته، وهو ما فيه مما بعباده إلى علم تأويله الحاجة، فلا سبيل لهم إلى علم ذلك إلا ببيان الرسول صلّى الله عليه وسلّم لهم تأويله» (٤).
وإذا جَعلتَ عموم السنة مفسرة للقرآن تبيَّنَ لك أنَّ التفسير الذي يرجع إلى السُّنَّةِ ـ بهذا المفهوم ـ كثيرٌ.
_________
(١) الفتاوى (١٧: ٤٣١ ـ ٤٣٢).
(٢) الشاطبي ممن يذهب إلى القول بالكلام النفسي، وهذا مخالف لعقيدة سلف الأمة، انظر قوله في الموافقات (٤: ٢٧٤).
(٣) الموافقات، للشاطبي، تحقيق: مشهور سلمان (٣: ٢٣٠).
(٤) تفسير الطبري، تحقيق: شاكر (١: ٩٢).


الصفحة التالية
Icon