قال: فلما رأى ذلك ابن عباس، قال: أرى ههنا من إذا أمر بتقوى الله أخذته العزة بالإثم، وأرى من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله، يقوم هذا فيأمر هذا بتقوى الله، فإذا لم يقبل، وأخذته العزة بالإثم، قال هذا: وأنا أشتري نفسي، فقاتله، فاقتتل الرجلان.
فقال عمر: لله بلادك يابن عباس» (١).
وهذه الآثار وغيرها تدلُّ على حرص الصحابة على تعلُّمِ كتاب الله، ومعرفة معانيه، ومدارسته والعمل بما فيه.
وأما دليل العقل، فما جرت به العادة من حرص الطلاب على تعلُّم كتابٍ في العلم الذين يريدون أن يتعلموه، وقد قال في غير هذه المقدمة: «أن العادة المطردة التي جبل الله عليها بني آدم = توجب اعتناءهم بالقرآن المنَزَّل عليهم لفظًا ومعنًى، بل أن يكون اعتناؤهم بالمعنى أوكد. فإنه قد عُلِمَ أنه من قرأ كتابًا في الطبِّ أو الحساب أو النحو أو الفقه أو غير ذلك فإنه لا بد أن يكون راغبًا في فَهْمِهِ وتصوُّرِ معانيه، فكيف بمن قرؤوا كتاب الله تعالى؛ المَنزل إليهم؛ الذي به هداهم الله، وبه عرَّفهم الحق والباطل، والخير والشر، والهدى والضلال، والرشاد والغيَّ.
فمن المعلوم أن رغبتهم في فهمه وتصور معانيه أعظم الرغبات، بل إذا سَمِعَ المتعلم من العالم حديثًا، فإنه يَرْغَبُ في فَهْمِهِ، فكيف بمن يسمعون كلام الله من المبلغ عنه؟!
بل، ومن المعلوم أن رغبة الرسول صلّى الله عليه وسلّم في تعريفهم معاني القرآن أعظم من رغبته في تعريفهم حروفه، فإن معرفة الحروف بدون المعاني لا تُحَصِّلُ
_________
(١) تفسير الطبري، تحقيق: شاكر (٤: ٢٤٥)، قال محمود شاكر: «في المطبوعة: «لله تلادك» بالتاء في أوله، ولا معنى له، والصواب ما أثبت. وفي الدر المنثور (١: ٢٤١): «لله درك»، والعرب تقول: لله در فلان، ولله بلاده».