ومنه ما يحكى عن مسيلمة الكذاب: " يا ضفدع نقي كم تنقين، لا الماء تكدرين ولا النهر تفارقين ".
فعذا أغث كلام يكون وأسخفه، وقد بينا علته، وهو تكلف المعاني من أجله، وجعلها تابعة له من غير أن يبالي المتكلم بها ما كانت.
وفواصل القرآن كلها بلاغة وحكمة، لأنها طريق إلى إفهام المعاني التي يحتاج إليها في أحسن صورة يدل بها عليها، وإنما أخذ السجع في الكلام من سجع الحمامة. وذلك أنه ليس فيه إلا الأصوات المتشاكلة، كما ليس في سجع الحمامة إلا الأصوات المتشاكلة، فإذا كان المعنى لما ستكلف من غير وجه الحاجة إليه والفائدة فيه لم يعتد به، فصار بمنزلة ما ليس فيه إلا الأصوات المشاكلة.
والفواصل على وجهين: أحدهما على الحروف المتجانسة والآخر على الحروف المتقاربة، فالحروف المتجانسة كقوله تعالى: ﴿طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى إلا تذكرة لمن يخشى﴾. الآيات. وكقوله: ﴿والطور وكتاب مسطور﴾ الآيات، وأما الحروف المتقاربة فكالميم من النون، كقوله تعالى: ﴿الرحمن الرحيم مالك يوم الدين﴾، وكالدال مع الباء نحو: ﴿ف والقرآن المجيد﴾ ثم فال: ﴿هذا شيء عجيب﴾ وإنما حسن في الفواصل الحروف المتقاربة لأنه يكتنف الكلام من البيان ما يدل على المراد في تمييز الفواصل والمقاطع، لما فيه من البلاغة وحسن العبارة. وأما القوافي فلا تحتمل ذلك لأنها ليست في الطبقة العليا من البلاغة وإنما حسن الكلام فيها إقامة