اللفظ والنظم يذهبون، لكان محالًا أن يقولوا: "هو أنسب"، لأن ذلك في صفة اللفظ والنظم محال. ومن هذا الذي يشك أن لم يكن قول جرير:

ألستم خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطون راح
أمدح بيت عند من قال ذلك، من أجل لفظه ونظمه، وأن ذلك كان من أجل معناه؟ هذا ما لا معنى لزيادة القول فيه.
٣٣ - فإن قالوا: هم، وإن كانوا قد أرادوا المعنى في قولهم: "هذا أمدح، وذاك أهجى، وهذا أنسب، وذاك أوصف"، فإنه لن تتسع المعاني حتى تتسع الألفاظ، ولن تقع مواقعها المؤثرة حتى يحسن النظم. وإذا كان كذلك فموضعنا منه بحاله. ثم ليس بمنكر ولا مجهول ولا مجهول أن يكون لفظ الشاعر ونظمه إذا تعاطي المدح، أحسن وأفضل منهما إذا هو هجا أو نسب.
قيل: إنا ندع النزاع في هذا ونسلمه لكم، فأخبرونا عن معاني القرآن، أهي صنف واحد أم أصناف؟ فإن قلتم: "صنف واحد"، تجاهلتم، فقد علمنا الحجج والبراهين، والحكم والآداب، والترغيب والترهيب، والوعد والوعيد، والوصف والتشبيه والأمثال، وذكر الأمم والقرون واقتصاص أحوالهم، والنبأ عما جرى بينهم وبين الأنبياء عليهم السلام، وما لا يصحى ولا يعد.
وإن قلتم: "هي أصناف"، كما لا بد منه.
قيل لكم: فقد كان ينبغي لشعراء العرب وبلغئها أن يعمد كل منهم إلى الصنف الذي تنفذ قريحته فيه فيعارضه، وأن يجلعوا الأمر في ذلك قسمة بينهم. وفي هذا كفاية لمن عقل.


الصفحة التالية
Icon