﴿فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (١٥) وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (١٦) قَالُوا يَاأَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (١٧) وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (١٨) وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَابُشْرَى هَذَا غُلَامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (١٩)﴾
﴿فَلَمَّا﴾ الفاء جواب ما أخبر به عنهم، ولما ظرف مضاف إلى ﴿ذَهَبُوا﴾ (١)، ﴿بِهِ﴾ متعلق بـ ﴿ذَهَبُوا﴾، ﴿وَأَجْمَعُوا﴾ عطف على ﴿ذَهَبُوا﴾، ﴿أَنْ يَجْعَلُوهُ﴾، ﴿أَنْ﴾ في موضع نصب على حذف الخافض، ﴿فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ﴾، ﴿فِي﴾ متعلقه بـ ﴿يَجْعَلُوهُ﴾، ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ﴾، ﴿إِلَيْهِ﴾ متعلق بـ ﴿أَوْحَيْنَا﴾، ﴿لَتُنَبِّئَنَّهُمْ﴾ لام قسم مؤكد بالنون الشديدة (٢)، ﴿بِأَمْرِهِمْ﴾ متعلق بـ ﴿لَتُنَبِّئَنَّهُمْ﴾، ﴿وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ ابتداء وخبر في موضع الحال (٣)، أي: ﴿لَتُنَبِّئَنَّهُمْ﴾ وهم غير عالمين (٤)، وجواب لما محذوف (٥)،
_________
(١) الزمخشري، الكشف عن حقائق غوامض التنزيل، مرجع سابق، ١/ ٧٣.
(٢) الزمخشري، مرجع سابق، ٢/ ٤٥٠.
(٣) المرجع السابق.
(٤) القشيري، عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك (ت: ٤٦٥ هـ) لطائف الإشارات، ت: إبراهيم البسيوني، ط ٣، (مصر: الهيئة المصرية العامة للكتاب)، ٢/ ١٧٣. الكرماني، أبو القاسم برهان الدين تاج القرآء محمود بن حمزة بن نصر (ت: نحو ٥٠٥ هـ) غرائب التفسير وعجائب التأويل، (جدة: دار القبلة للثقافة الإسلامية، بيروت: مؤسسة علوم القرآن)، ١/ ٥٢٩. ابن عطية، مرجع سابق، ٣/ ٢٢٥.
(٥) فأدخل الواو في جواب"لما"، وإنما الكلام: فَلَمَّا أَجَزْنَا سَاحَةَ الْحَيِّ، انْتَحَى بِنَا، وكذلك: ﴿فَلَمَّا ذَهَبُوا، وَأَجْمَعُوا﴾، لأن قوله: "أجمعوا" هو الجواب. ابن جرير، مرجع سابق، ١٥/ ٥٧٥. واختلف العلماء في جواب «لما» من قوله فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ أمثبت هو أم محذوف؟ فقيل: هو مثبت، وهو قوله: ﴿قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ﴾ الآية [١٢/ ١٧]، أي: لما كان كذا وكذا ﴿قَالُوا يَا أَبَانَا﴾ واستحسن هذا الوجه أبو حيان.. وقيل: جواب «لما» هو قوله: أوحينا والواو صلة، وهذا مذهب الكوفيين، تزاد عندهم الواو في جواب «لما، وحتى، وإذا»، وعلى ذلك خرجوا قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ﴾، الصافات، الآية: ١٠٣، ١٠٤. وقوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾، الزمر، الآية: ٧٣، وقولَ امرئِ القيس:
فَلَمَّا أَجَزْنَا سَاحَةَ الْحَيِّ وَانْتَحَى... بِنَا بَطْنُ حُقْفٍ ذِي رُكَامٍ عَقَنْقَلِ
أي: لَمَّا أَجَزْنَا سَاحَةَ الْحَيِّ وَانْتَحَى. وقيل: جواب «لما» محذوف، وهو قول، واختلف في تقديره، فقيل: إن تقديره فعلوا به ما فعلوا من الأذى. وقدره بعضهم: ﴿فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ﴾ عظمت فتنتهم. وقدره بعضهم: ﴿فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ﴾ جعلوه فيها. واستظهر هذا الأخير أبو حيان ; لأن قوله: ﴿وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ﴾، يوسف، الآية: ١٥. يدل على هذا المقدر. والعلم عند الله تعالى. الشنقيطي، محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني (ت: ١٣٩٣ هـ)، أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، (لبنان: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، ١٤١٥ هـ-١٩٩٥ م)، ٢/ ٢٠٥.... بتصرف.