.........................
= وقد ورد مثلها في كلام العرب، كالذي يحكى عن الزباء، وذاك أن الوضاح الذي هو جذيمة الأبرش"كان ملكاً ما على شاطئ الفرات، وكانت الزباء ملكة الجزيرة، وكان يقال: جذيمة الأبرش وجذيمة الوضاح، وذلك أنه كان أبرص، فهابت العرب أن تقوله، فقالت: "الأبرش" وكانت تقول للذي به البرص: به وضح، تفاديا من البرص، فقالوا: جذيمة الوضاح، وهو جاهلي" تزوجها، والحكاية في ذلك مشهورة، فلما دخل عليها كشفت له عن فرجها، وقد ضفرت الشعر من فوقه ضفيرتين، وقالت: "أذات عرس ترى، إما إنه ليس ذلك من عوز المواس، ولا من قلة الأواس، ولكنه شيمة ما أناس".
فمعنى الكلام: ولكنه شيمة أناس، وإنما جاءت لفظة "ما" ههنا تفخيمًا لشأن صاحب تلك الشيمة، وتعظيمًا لأمره، ولو أسقطت لما كان للكلام ههنا هذه الفخامة والجزالة، ولا يعرف ذلك إلا أهله من علماء الفصاحة والبلاغة.
وقول النحاة: إن "ما" في هذه الآية زائدة، فإنما يعنون به أنها لا تمنع ما قبلها عن العمل، كما يسمونها في موضع آخر كافة: أي أنها تكف الحرف العامل عن عمله، كقولك: إنما زيدٌ قائم، فما قد كفت "إن" عن العمل في زيد، وفي الآية لم تمنع عن العمل ألا ترى أنها لم تمنع "الباء" عن العمل في خفض "الرحمة". ابن الأثير ضياء الدين نصر الله بن محمد (ت: ٦٣٧ هـ) المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، ت: أحمد الحوفي، بدوي طبانة، ط ١، (القاهرة: الفجالة، دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع)، ٢/ ٧٥. انتهى.... بتصرف.
وتعرض لهذه المسألة الزركشي، أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر (ت: ٧٩٤ هـ)، البرهان في علوم القرآن، ت: محمد أبو الفضل إبراهيم، ط ١ (القاهرة: دار إحياء الكتب العربية عيسى البابى الحلبي وشركائه، ١٣٧٦ هـ-١٩٥٧ م)، ٣/ ٧٢. تفصيلا في باب الحروف والأدوات. وتعرض لها إجمالا في نوع أساليب القرآن فقال: "واعلم أن الزيادة واللغو من عبارة البصريين، والصلة والحشو من عبارة الكوفيين. والأوْلى اجتناب مثل هذه العبارة في كتاب الله تعالى، فإن مراد النحويين بالزائد من جهة الإعراب لا من جهة المعنى. وقد اختلف في وقوع الزائد في القرآن، فمنهم من أنكره، قال الطرطوسي في العمدة: زعم المبرد وثعلب ألا صلة في القرآن، والدهماء من العلماء والفقهاء والمفسرين على إثبات الصلات في القرآن، وقد وجد ذلك على وجه لا يسعنا إنكاره، فذكر كثيرا. وقال ابن الخباز في التوجيه: وعند ابن السراج أنه ليس في كلام العرب زائد، لأنه تكلم بغير فائدة وما جاء منه حمله على التوكيد. ومنهم من جوزه وجعل وجوده كالعدم وهو أفسد الطرق". وبعد أن بينت بعض ما ورد عند علمائنا السابقين في هذا الباب نأتي إلى مصطفى صادق الرافعي (ت: ١٩٣٧)، في كتابه، إعجاز القرآن والبلاغة النبوية، ط ٨، (بيروت: دار الكتاب العربي، ١٤٢٥ هـ-٢٠٠٤ م)، ص ١٥٢. فنجده يقول ولما كان الأصل في نظم القرآن أن تعتبر الحروف بأصواتها وحركاتها ومواقعها من الدلالة المعنوية، استحال أن يقع في تركيبه ما يسوغ الحكم في كلمة زائدة أو حرف مضطرب أو ما يجري مجرى الحشو والاعتراض، كما تجد من كل ذلك في أساليب البلغاء، بل نزلت كلماته منازلها على ما استقرت عليه طبيعة البلاغة، وما قد يشبه أن يكون من هذا النحو الذي تمكنت به مفردات النظام الكوني، وارتبطت به سائر أجزاء المخلوقات صفة متقابلة بحيث لو نزعت كلمة منه أو أزيلت عن وجهها، ثم أدير لسان العرب كله على أحسن منها في تأليفها، وموقعها، وسدادها لم يتهيأ ذلك ولا اتسعت له اللغة بكلمة واحدة.... بتصرف من كتاب الرافعي وغيره.
قلت: والذي أميل إليه والله أعلم أنه ليس في القرآن حرفٌ زائدٌ لا يفيد فائدةً بلاغيةً لأن الكتاب منزلٌ من عزيزٍ حكيمٍ فهو عزيزٌ في كلامه محكمٌ في سياقه وضبطه. والله تعالى أعلم. وللتوسع في هذه المسألة ينظر:
١ - زيادة الحروف بين التأييد والمنع وأسرارها البلاغية في القرآن الكريم، دكتوراه، د. هيفاء عثمان عباس فدا.
٢ - الزيادة في القرآن الكريم، ماجستير، الباحثة: سهير إبراهيم أحمد سيف.
فمعنى الكلام: ولكنه شيمة أناس، وإنما جاءت لفظة "ما" ههنا تفخيمًا لشأن صاحب تلك الشيمة، وتعظيمًا لأمره، ولو أسقطت لما كان للكلام ههنا هذه الفخامة والجزالة، ولا يعرف ذلك إلا أهله من علماء الفصاحة والبلاغة.
وقول النحاة: إن "ما" في هذه الآية زائدة، فإنما يعنون به أنها لا تمنع ما قبلها عن العمل، كما يسمونها في موضع آخر كافة: أي أنها تكف الحرف العامل عن عمله، كقولك: إنما زيدٌ قائم، فما قد كفت "إن" عن العمل في زيد، وفي الآية لم تمنع عن العمل ألا ترى أنها لم تمنع "الباء" عن العمل في خفض "الرحمة". ابن الأثير ضياء الدين نصر الله بن محمد (ت: ٦٣٧ هـ) المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر، ت: أحمد الحوفي، بدوي طبانة، ط ١، (القاهرة: الفجالة، دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع)، ٢/ ٧٥. انتهى.... بتصرف.
وتعرض لهذه المسألة الزركشي، أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر (ت: ٧٩٤ هـ)، البرهان في علوم القرآن، ت: محمد أبو الفضل إبراهيم، ط ١ (القاهرة: دار إحياء الكتب العربية عيسى البابى الحلبي وشركائه، ١٣٧٦ هـ-١٩٥٧ م)، ٣/ ٧٢. تفصيلا في باب الحروف والأدوات. وتعرض لها إجمالا في نوع أساليب القرآن فقال: "واعلم أن الزيادة واللغو من عبارة البصريين، والصلة والحشو من عبارة الكوفيين. والأوْلى اجتناب مثل هذه العبارة في كتاب الله تعالى، فإن مراد النحويين بالزائد من جهة الإعراب لا من جهة المعنى. وقد اختلف في وقوع الزائد في القرآن، فمنهم من أنكره، قال الطرطوسي في العمدة: زعم المبرد وثعلب ألا صلة في القرآن، والدهماء من العلماء والفقهاء والمفسرين على إثبات الصلات في القرآن، وقد وجد ذلك على وجه لا يسعنا إنكاره، فذكر كثيرا. وقال ابن الخباز في التوجيه: وعند ابن السراج أنه ليس في كلام العرب زائد، لأنه تكلم بغير فائدة وما جاء منه حمله على التوكيد. ومنهم من جوزه وجعل وجوده كالعدم وهو أفسد الطرق". وبعد أن بينت بعض ما ورد عند علمائنا السابقين في هذا الباب نأتي إلى مصطفى صادق الرافعي (ت: ١٩٣٧)، في كتابه، إعجاز القرآن والبلاغة النبوية، ط ٨، (بيروت: دار الكتاب العربي، ١٤٢٥ هـ-٢٠٠٤ م)، ص ١٥٢. فنجده يقول ولما كان الأصل في نظم القرآن أن تعتبر الحروف بأصواتها وحركاتها ومواقعها من الدلالة المعنوية، استحال أن يقع في تركيبه ما يسوغ الحكم في كلمة زائدة أو حرف مضطرب أو ما يجري مجرى الحشو والاعتراض، كما تجد من كل ذلك في أساليب البلغاء، بل نزلت كلماته منازلها على ما استقرت عليه طبيعة البلاغة، وما قد يشبه أن يكون من هذا النحو الذي تمكنت به مفردات النظام الكوني، وارتبطت به سائر أجزاء المخلوقات صفة متقابلة بحيث لو نزعت كلمة منه أو أزيلت عن وجهها، ثم أدير لسان العرب كله على أحسن منها في تأليفها، وموقعها، وسدادها لم يتهيأ ذلك ولا اتسعت له اللغة بكلمة واحدة.... بتصرف من كتاب الرافعي وغيره.
قلت: والذي أميل إليه والله أعلم أنه ليس في القرآن حرفٌ زائدٌ لا يفيد فائدةً بلاغيةً لأن الكتاب منزلٌ من عزيزٍ حكيمٍ فهو عزيزٌ في كلامه محكمٌ في سياقه وضبطه. والله تعالى أعلم. وللتوسع في هذه المسألة ينظر:
١ - زيادة الحروف بين التأييد والمنع وأسرارها البلاغية في القرآن الكريم، دكتوراه، د. هيفاء عثمان عباس فدا.
٢ - الزيادة في القرآن الكريم، ماجستير، الباحثة: سهير إبراهيم أحمد سيف.