قال السدي (١): فأرسله معهم فأخرجوه وبه عليهم كرامة، فلما برزوا إلى البرية أظهروا له العداوة، وجعل أخوه يضربه فيستغيث بالآخر فيضربه فجعل لا يرى منهم رحيما فضربوه حتى كادوا يقتلونه، فجعل يصيح ويقول: يا أبتاه يا يعقوب لو تعلم ما صنع بابنك بَنُو الْإِمَاء، فلما كادوا يقتلونه قال يهوذا: أليس قد أعطيتموني موثقا ألا تقتلوه؟ (٢) فانطلقوا به إلى الجب ليطرحوه فيه، فجعلوا يدلونه في البئر، فيتعلق بشفير البئر فربطوا يديه، ونزعوا قميصه، فقال: يا إخوتاه ردوا علي قميصي لأتوارى به في الجب! فقالوا ادع الشمس والقمر والأحد عشر كوكبا تؤنسك! قال: إني لم أر شيئا، فدلوه في البئر، حتى إذا بلغ نصفها ألقوه إرادة أن يموت. وكان في البئر ماء فسقط فيه، ثم أوى إلى صخرة فيها فقام عليها. قال: فلما ألقوه في البئر، جعل يبكي، فنادوه، فظن أنها رحمة أدركتهم، فلباهم، فأرادوا أن يرضخوه بصخرة فيقتلوه، فقام يهوذا فمنعهم، وقال: قد أعطيتموني موثقا أن لا تقتلوه! وكان يهوذا يأتيه بالطعام (٣).
وقولُهُ: ﴿فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ﴾ الآية قيل: جواب لمّا محذوف، والتقدير: عظمت فتنتهم أو كبر ما قصدوا له، وحذف ذلك للعلم به ودلالة هيئة الخطاب عليه. وقيل: ليس في الكلام حذف، ولكن الواو زائدة (٤)، والتقدير: فلما ذهبوا به أجمعوا أن يجعلوه في
_________
(١) إسماعيل بن عبد الرحمن السدي (ت: ١٢٨ هـ) ـ، تابعي، حجازي الأصل، سكن الكوفة، وقيل: "صاحب التفسير والمغازي والسير". ابن سعد، مرجع سابق، ٦/ ٣١٨. ابن أبي حاتم، أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن المنذر التميمي، (ت: ٣٢٧ هـ)، الجرح والتعديل، ط ١، (الهند: بحيدر آباد الدكن، طبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، ١٢٧١ هـ-ـ ١٩٥٢ م، ٢/ ١٨٤.
(٢) ابن جرير، مرجع سابق، ١٣/ ٢٩. ابن أبي حاتم، مرجع سابق، ٧/ ٢١٠٨.
(٣) ابن جرير، مرجع سابق، ١٥/ ٥٧٤. ابن أبي حاتم، مرجع سابق، ٧/ ٢١٠٩. القيسي، الهداية إلى بلوغ النهاية، مرجع سابق، ٥/ ٣٥١٥.
(٤) هذا على رأي الكوفيين من النحاة، يزاد عندهم بعد "لما" و"حتى" "إذا" وعلى ذلك خرَّجوا قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ﴾ سورة الصافات، الآية: (١٠٣). أي: ناديناه. وهذا مذهب الخليل وسيبويه وهو نص لهما في قول امرئ القيس: [الطويل] فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى. قال أبو حيان: وهو قول مردود لأنه ليس في القرآن شيء زائد لغير معنى. وقال البصريون: ليس في الآية زيادة، لأن جواب "لما" محذوف تقديره: ﴿فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ﴾ عظمت فتنتهم" وقدره بعضهم: "جعلوه فيها" قال أبو حيان: وهذا أولى، إذ يدل عليه قوله: ﴿وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ﴾. ينظر: المحرر الوجيز: ٤/ ٤٥٢، البحر المحيط: ٥/ ٢٨٧. البغوي، مرجع سابق، ٤/ ٢٢١.