ودليل أنهم لم يعلموا أنه يوسف، استفهامهم له بقوله: ﴿أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ﴾ ولم يستفهموا عن أخيه، لأنهم عالمون به.
وقوله تعالى: ﴿وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ﴾ يقول تعالى: وجاء إخوة يوسف أباهم بعد ما ألقوا يوسف في غيابة الجب عشاءً يبكون، وروي عن السدي قال (١): أقبلوا إلى أبيهم عشاءً يبكون، فلما سمع أصواتهم فزع، وقال: مالكم يا بني: هل أصابكم في غنمكم شيء؟ قالوا: لا، قال: فما فعل يوسف؟ (٢) قالوا: ﴿يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ﴾ فبكى الشيخ، وصاح بأعلى صوته، وقال: أين القميص؟ فجاءوه بالقميص، عليه دم كذب، فأخذ القميص وطرحه على وجهه وبكى، حتى تخضب وجهه من دم القميص (٣). ومعنى قولهم نستبق: نفتعل من السباق (٤). وقوله تعالى: ﴿وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا﴾ يقولون: بِمُصَدِّقِنَا عَلَى قولنا أن يوسف أكله الذئب، ﴿وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ﴾، فإن قال قائل: وما معنى قوله: ﴿وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ﴾ أخبر عنهم أنهم غير صادقين، فذلك تكذيب منهم أنفسهم، أم خبر منهم عن أبيهم أنه لا يصدقهم لو صدقوه، فقد علمت أنهم لو صدقوا أباهم الخبر لصدقهم؟ قيل معنى ذلك: وما أنت بمصدق لنا ولو كنا من أهل الصدق الذين لا يُتَّهَمُونَ لِسُوءِ ظنك بنا وَتُهْمَتِك لَنَا (٥).
وقوله تعالى: ﴿وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ﴾ أي: وجاءوا على قميص يوسف بدم كذب أي: ذي كذب، وقيل المصدر وقع موقع المفعول، كما يقع المفعول موقع المصدر، فمعنى كذب
_________
(١) ابن أبي حاتم، مرجع سابق، ٧/ ٢١١٠. الثعلبي، مرجع سابق، ٥/ ٢٠٢.
(٢) القيسي، الهداية إلى بلوغ النهاية، مرجع سابق، ٤/ ٢٢٢.
(٣) ابن جرير، مرجع سابق، ١٣/ ٣٤. ابن أبي حاتم، مرجع سابق، ٧/ ٢١١٠. القيسي، الهداية إلى بلوغ النهاية، مرجع سابق، ٥/ ٣٥١٨.
(٤) الماوردي، مرجع سابق، ٣/ ١٤.
(٥) ابن جرير، مرجع سابق، ١٣/ ٣٤. الثعلبي، مرجع سابق، ٥/ ٢٠٣.