إشارة إلى رتبة الاجتهاد والثاني إلى التقليد، وعلى كل تقدير فأوفى موقعها، وعلى التأويل، فالأمر أظهر وهذا بيان لحال المكلفين بما بين فيه والمأمورين بالاهتداء بنوره المبين والفاء تفريعية أو قصيحة قوله:
(ومن لم يرفع إليه رأسه الخ) يعش مجزوم في جواب الشرط، ويصل سعيراً مجزوم بعطفه عليه وفي نسخة وسيصلى سعيرا بالرفع على الاستئناف والقطع، ولذا قيل عرّاه عن الجزم ليفيد الجزم لأنّ دخوله النار محقق، ولذا أتي بالسين الدالة على التأكيد والتحقيق عند الزمخشريّ، كما فصل في المغني وشروحه بخلاف معيشتة مذموماً فإنه قد لا يقع في الدنيا وهو بيان لحاله في الدارين كمقابله فإن المراد بكونه في عيشة مذمومة أنها مستحقة للذم، أو هي كذلك عند الله، وعند المؤمنين، وهذا محقق أيضاً وعدم رفع الرأس عبارة عن تركه أو عدم الالتفات له والاعتداد به وقد يكنى به أيضاً عن الحياء والخجل وليس بمراد هنا كقوله:
خجل البنفسج حين لاح عذاره ~ أو ما تراه ليس يرفع رأسه
وهمزة رأسه لسكونها بعد فتحة يجوز إبدالها ألفاً وهو المناسب هنا ليشاكل قوله نبراسه،
وأطفأ مهموز من قولهم أطفأت النار، وقد يرد معتلاَ وضمير إليه للنبي ﷺ وللقرآن، والنبراس المصباح وبزنته، والضمير المضاف إليه إن عاد إلى من، فالمراد به نور العقل أو الفطرة التي يولد كل مولود عليها وإطفاؤه بريح الجهل والعناد، وعوده إلى النبيّ أو القرآن على معنى أراد إطفاءه بعيد جدا. قوله: (ذميماً) بالذال المعجمة بمعنى مذموم في الدنيا ما دام حياً وكونه بالدال المهملة بمعنى قبيح غير مناسب هنا، وإن جوّزه بعضهم ويصل سعيرا أي يدخل جهنم في الآخرة، ويقابله ما في الفقرة السابقة، فإن أريد بمن له قلب صاحب القوة القدسية، وبمن ألقى المسمع صاحب العقل المستفاد فمن لم يرفع رأسه ذو الغباوة والغواية وان أريد بالأول
المجتهد، وبالثاني المقلد فهذا هو المنهمل في الجهل والضلال، وقيل: الأوّل صاحب التأويل والثاني صاحب التفسير وهذا الجاهل البحت وفي قوله: (نبراسه) إشارة إلى مكنية فإن فهمت فنور على نور وفي قوله يرفع إليه رأسه إشارة إلى علوّ مرتبتة ورفعة منزلته لأنّ الناظر إنما يرفع رأسه لما كان عالياً عليه مرتفعاً فوقه، وهكذا هو يعلو ولا يعلى عليه فوله: (فيا واجب الوجودا لما كان جميع ما سبق إلى هنا يدل على ان كلامه المعجز الذي بلغه رسول الله ﷺ وتحدّى به، وأبرز فيه خفايا الملك والملكوت، وخبايا قدس الجبروت من الصفات القدسية الدالة على وجوب وجوده، وإنعامه بجلائل النعم بواسطة ما أنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم، وأمره أن يصدع به فبذل طاقته في تبليغه وتبيينه على أحسن وجه يرتسم في مرآة البصائر والعقول صار كأنه مشاهد لذلك في حضرة قدسه واقف بين يدبه مناج له فلهذا التفت بعد الغيبة وفرع النداء بالفاء على ما مرّ، كما سبأني في الفاتحة، فقال: فيا واجب الخ.
وقيل: لما لزم من كون القرآن معجزا كون المتكلم به واجب الوجود إذ الممكن الوجود، لو قدر على مثله لم يكن ذلك معجزاً ومن كونه مكملاَ للناس بحسب القوّتين كونه فائض الوجود، وكان المقصود الأصلي والغرض الأولي لكل من استكمل بالكمالين تحصيل الرضوان، ومشاهدة جمال الرحمن فرّع عليه قوله: فيا واجب الوجود الخ.
وقيل: إن هذه الفاء سببية رابطة لما بعدها بشرط مفهوم من الكلام السابق أي، من كان
بهذه المثابة من السعي في أعلاء كلمتك، والشفقة على خلقك فصل عليه يا واجب الوجود الغنيّ بالذات، وهذا يناسب كون الأفعال السابقة مسندة للعبد كما لا يخفى، وستسمع عن قريب توجيهاً آخر اخترناه فيه كفاية عن القيل والقال، ووجوب الوجود كون ذاته مقتضية لوجوده، أو كونه عين وجوده، وهو يقابل الامتناع والإمكان، فإن كان ذاتياً فمعناه ما لا يمكن عدمه، كما فصل في علم الكلام، وإطلاق واجب الوجود على الله مبني على ما ذهب إليه الغزالي رحمه الله تعالى من جواز إطلاق ما علم اتصافه تعالى به على طريق التوصيف دون التسمية لأنّ إجراء الصفة إخبار بثبوت مدلولها فيجوز إذا تحقق بدون مانع بخلاف التسمية، فإنها تصرّف في المسمى لمن له الولاية، وهو منزه عن ذلك. قوله: (ويا فائض الجود) فسر الحكماء الفيض بفعل فاعل يفعل دائماً لا لعوض ولا لغرض، والجود بإفادة ما ينبغي لمن يبغي لا لعوض


الصفحة التالية
Icon