النظرية أيضا، وقوله والإطلاع الخ إن قرىء بالجرّ على أنه معطوف على الحكم في قوله من الحكم فالأقسام ثلاثة، والإطلاع على مراتب السعداء للإقتداء، وعلى منازل الأشقياء للإتقاء، والأوّل من قوله: ﴿أَنْعَمْتُ﴾ والثاني من ﴿غَيرِ المَغضُوبِ﴾ الخ وهذا لا يختص بالنظرية، ولا بالعملية بل هو من آثارهما وثمراتهما، وان رفع فهو معطوف على قوله سلوك الطريق على أن التي صفة للحكم، والأحكام معنى أو حقيقة لا للثاني، ولذا قيل الإطلاع ناظر إلى الحكم النظرية، ولم يراع ترتيب اللف محافظة على ما عليه التنزيل من تقديم الأوّل أعني ﴿اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ﴾ وتاخير الثاني أعني الذين أنعمت الخ. وقد قيل عليه أيضا: إنه محتاج إلى التقدير أي بعيد سلوك الخ أو أصله التي غايتها أي المقصود منها، فلما حذف المضاف ارتفع الضمير، وانفصل أو هو محمول عليه مبالغة وادّعاء، وليس هذا مخصوصاً بكونه صفة للأحكام فقط كما توهم.) قلت (نقل هنا بعض أهل العصر عن المصنف حاشية قال فيها: الحكم النظرية معرفة الله
تعالى بصفات الكمال المشتمل عليها الحمد لله إلى قوله ﴿يَوْمِ الدِّينِ﴾ والأحكام العملية هي سلوك الطريق المستقيم، والإطلاع على مراتب السعداء والأشقياء المشتمل عليها ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ إلى آخر السورة انتهى.
فإن صح عنه ما ذكر فهو مخالف لما مرّ، وصاحب البيت أدرى بالذي فيه تدبر، وعبر
في السعداء بالمراتب لاشعاره بالعلوّ والرفعة لأنه من رتب بمعنى انتصب قائماً كما في الفائق، وفي الأشقياء بالمنازل لاً نه من النزول، وهو الانحطاط المقابل به كما قيل: درج الجنة ودرك النار، والفرق بين التوجيهين قد مرّ، وقيل: مبنى الأوّل على اشتمال ألفاظه باعتباره جميع أجزائها والثاني على اشتمالها باعتبار ما هو دعامتها ولو عكس كان أظهر، ولذا قيل: إنّ الأوّل بيان لاشتمالها على ما يستفاد منه أصول المعاني القرآنية وأساس مقاصدها. والثاني لاشتمالها على جملة مقاصده المستفادة من تلك الأصول وكونها أماً على هذا لتأخر التفصيل عن الإجمال تأخر الولد عن الأمّ، كما قيل في أمّ القرى وقيل إنّ هذا التوجيه متضمن لوجه تسميتها فاتحة أيضاً لأن ما يدلّ على الشيء إجمالاً حقه أن يكون فاتحة، كعنوان الكتاب الدال على ما فيه، ويدل عليه عطف قوله وتسمى، وذكر المبدأ بعد المفتتح والمنشأ بعد الأصل، والتأسيس أولى من التكيد مع مناسبة ألفاظه للفتح لفظاً ومعنى، والمبدأ لللامّ، ولا يخفى ما فيه من التكلف مع أنه قد اعترف بما ينافيه وقد علم مما ذكرناه ضعف ما قيل: من أنّ ما ذكر هنا مستفاد من الوجه السابق لأنّ الحكم، وهي الأحكام الاعتقادية تستفاد من إجراء صفات الكمالى عليه تعالى، والأحكام العملية من تفاصيل التكاليف المشار إليها بالتعبد، والإطلاع المذكور من الوعد والوعيد، ونوقش بأن الإطلاع من قبيل العلم والمعاني معلومات فكيف يعد منها، ودفع بأنّ المراد به الاطلاع بقرينة السياق وقال بعض المدققين: لا يخفى ما في جعل الثناء مقابلاً للتعبد أي التكليف بالعبادة، والوعد والوعيد من عدم المناسبة، وأيضا لا يظهر من الدليل جعل الثناء مقصوداً أصليا من الكتاب بل المقصود معرفته تعالى وقد أشير إليها بقوله ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ أي موجدهم ومربيهم، وأبعد منه جعل الوعد والوعيد مقصودين وهما مقحمان باعثان على العبادة، وقد عرفت مما قدمناه الجواب عنه، وبقي هنا وجوه أخر لم نسودّ بها وجه القرطاس، فإن قلت اشتمال الفاتحة على جميع المعاني القرآنية مناف لما في الحديث من أنها تعدل ثلثي (١) القرآن قلت: إن صح فلا منافاة، لأنّ الإجمال لا يساوي التفصيل فزيادة مبانيه تنزل منزلة ثلث آخر في الثواب، ومن العجب ما قيل هنا من أنّ ذلك لاشتمالها على دلالة التضمن والالتزام، وهما ثلثا الدلالات، وقيل الحقوق ثلاثة حق الحق على العبد وعكسه، وحق العبد على العبد، وقد تضمنت الأوّلين فلذا جعلت ثلثيه. قوله: (وسورة الكئز الخ الذلك أي لاشتمالها على مقاصد القرآن، أو جملة معانيه التي هي كالجواهر النفيسة المكنوزة لأنها ذخر المعاد، والسعادة الأبدية فتفي، وتكفي في ذلك، وقيل سميت وافية لأنها لا تنصف في الصلاة كغيرها وكافية لأنها تكفي المصلي دون غيرها، وهذه الألفاظ كلها
منصوبة عطفا على قوله أمّ القرآن، وهو الموافق لتصريحهم بأنّ الوافية والكافية بدون إضافة سورة من أسمائها، وإن وقع في كلام بعضهم خلافه وجرهما يستلزم حذف جزء العلم، أو العطف عليه، وقد قيل حذفه جائز إذا أمن اللبس كما سيأتي في شهر