كثير من أهل اللغة كابن السكيت والمطرزي، ووردت في قول عمر بن أبي ربيعة:
لقد بسملت ليلى غداة لقيتها فياحبذاذاك الحديث المبسمل
قوله: (من الفاتحة الخ) في البسملة في غير النمل، فإنها فيها بعض آية بالاتفاق أقول عشرة.
الأوّل: أنها ليست آية من السور أصلأ.
الثاني: أنها آية من جميعها غير براءة.
والثالث: أنها آية من الفاتحة دون غيرها.
الرابع: أنها بعض آية منها فقط.
الخامس: أنها آية فذة أنزلت لبيان رؤوس السور تيمنا، وللفصل بينها وهذا وإن ارتضاه متأخرو الحنفية لا نظير له إذ ليس لنا قرآن كير سورة، ولا بعض منها.
السادس: أنه يجوز جعلها آية منها وجعلها ليست منها بناء على أنها نزلت بعضاً منها
مرّة، ولم تنزل أخرى لتكرّر النزول استقلالاً أو لمدارسة جبريل له عليه الصلاة والسلام في كل عام، وهكذا سانر القراآت وهو المشار إليه في حديث: أنزل القرآن على سبعة احرف كلها كاف شاف وهذا أغربها، وكان ابن حجر يرتضيه، ويقرّره في دروسه، ويدفع به الاعتراض بأنّ القرآن فطعيّ التواتر، فكيف يصح إثباته، أو نفيه، بدونه، فيقول: إثباتها ونفيها حينئذ متواتران كسائر القراآت، وقد نقله القرّاء كأبي شامة وغيره، وأطنب في تحسينه السيوطي في حواشيه، فإن قلت لو سلم هذا لجاز على سائر المذاهب الجهر بها وعدمه ولا قائل به، وأيضا لم يعهد في وجوه القرا آت اختلاف في الآيات بل في الحروف وهيآتها، ووقع في بعض حروف المعاني، وهذا سرّ التعبير عن القرا آت بالأحرف في الحديث وتقليلها، وان اندفع به الاعتراض بأنه قرىء بالبسملة في السبعة، وهي متواترة فيما عدا الأدأء، فكيف صح تركها قلت: هذا غير وارد، فإنه يجوز ترجيح أحد المتواترين، وان لم يبلغ غيره مرتبته مع تواتره كما في وجوه القرا آت السبعة، وكونه خلاف المعروف يبعده ولا يبطله.
والسابع أنها بعض آية من جميع السور كما نقله السيد رحمه الله والثامن أنها آية من الفاتحة وجزء آية من السور.
والتا سع: عكسه.
والعاشر: أنها آية فذ وان أنزلت مراراً، وعلى هذا اختلف الأداء وبنوا علية فصلها ووصلها وتركها، فابن كثير وعاصم والكسائي يعتقدون أنّ البسملة آية من كل سورة الفاتحة وغيرها وقرّاء المدينة، وأبو عمرو يرونها آية من الأوائل وحمزة يراها آية من الفاتحة فقط كما تاله الجعبري.
والمصنف سكت عن سائر السور، فلا ينافيه أنّ قزاء مكة ومن تبعهم ذهبوا إلى أنها آية
من كل سورة مصدرة بها، وكلامه شامل لكونها آية وبعض آية، وقرّاء مكة ابن كثير ورواته، والكوفة عاصم وحمزة والكسائي ورواتهم، والمدينة نافع ورواته، والبصرة أبو عمرو ويعقوب ورواتهما والشام ابن عامر ورواته، ومالك من فقهاء المدينة، والأوزاعي هو الإمام عبد الرحمن الشامي منسوب للأوزاع، وهي قبيلة معروفة، وذكر مالك والأوزاعي من ذكر الخاص بعد العام للتنبيه على جلالته. قوله: (وفقهاؤهما) كذا هو في كثير من النسخ بالتثنية رجوعا إلى البصرة، والشام فقط دون المدينة. وفي الكشاف: وفقهاؤها بضمير الجمع للجميع، وتعقبه البلقيني بأنه يقتضي اتفاق أهل المدينة عليه وليس كذلك، فإنّ جماعة من فقهاء المدينة من الصحابة والتابعين كابن عمر والزهري وغيرهما يرونها آية من الفاتحة وغيرها، فكأن المصنف رحمه الله غير عبارته إشارة إلى إصلاحها بذلك، وفي بعض النسخ فقهاؤها كما في الكشاف، وقدّم كونها من الفاتحة على خلافه ترجيحاً لمذهبه، ولذا عكسه الزمخشري. قوله: (ولم ينص أبو حتيفة الخ) ضمير فيه يرجع إلى كونها من الفاتحة المعلوم من السياق، وهي المراد بالسورة لحضورها أو كل سورة، ولما كان المصنف رحمه الله شافعيا قائلاً بمفهوم المخالفة مع أنه مراعى في الروايات وعبارات المصنفين، ومفهوم قوله لم ينص أي لم يصرّح أنّ في كلامه إشارة، وتلويحا يورث الظن كاخفائها في قراءة الصلاة، فصح تفريع قوله فظن عليه فلا يرد عليه أنّ عدم النص على الشيء نفيا واثباتا لا يتسبب ويتفزع عليه ظن عدمه، ولا حاجة إلى ما قيل إنه بناء على أنه من أهل الكوفة الذاهبين إلى كونها من الفاتحة كما مر، فسكوته يشعر بمخالفته لهم لما تقرّر في الأصول من أنّ السكوت في موضع الحاجة إلى البيان بيان ولا مرية في أنّ هذا موضعه، وأورد عليه أن سكوته يجوز أن يكون احترازاً عن الخوض فيما لا دليل عليه كما ذهب إليه الإمام أو لتعارض أدلته، واقتصر على الظن دون


الصفحة التالية
Icon