الغيار قلنسوة طويلة كانت تلبس قبل الإسلام، وهرت من شعار الكفرة لم يدر حقيقته وفي تعبيره باللبس والشد ما يشير إلى تغايرهما، والزنار كان حزإما مخصوصا بالنصارى والمجوس. قوله: (لأنها تدلّ على التكذيب إلخ) أي تكذيب الرسول صلّى الله عليه وسلم فيما جاء به، وهذا جواب سؤال مقدر تقديره أنّ أهل الشرع حكموا على بعض الأفعال والأقوال بأنها كفر وليست إنكاراً من فاعلها ظاهراً، فأجاب بأنها ليست كفراً، وإنما هي دالة عليه فأقيم الدال مقام مدلوله حماية لحريم الدين، وذبا عن حماه حتى لا يحوم حوله أحد ويجتريء عليه، وليس بعض المنهيات
التي تقتضيها الشهوة النفسانية كذلك، ولذا ورد في الحديث: " وإن زنى وإن سرق " (١) فلا يرد على ما ذكر الاعتراض فأن ارتكاب المنهيّ إذا دل على التكذيب بطل طرده بغير المكفر من الفسق حتى يحتاج إلى أن يقال يجوز جعل الشارع بعض المنهيات علامة للتكذيب فيحكم بكفر مرتكبه، وقال ابن الهمام: اعتبروا في الإيمان لوازم يترب على عدمها ضده كتعظيم الله سبحانه وتعالى وأنبيائه عليهم الصلاة والسلام وكتبه، ولاعتبار التعظيم المنافي للاستخفاف كفروا بألفاظ، وأفعال كثيرة وأمّا لبس شعار الكفر سخرية بهم، وهزلاً ففي بعض الحواشي أنه ليس بكفر وليس ببعيد إذا قامت القرينة ولا يلزم مما مرّ تكفير أهل الباع من الفرق الإسلامية كما توهم. قوله: (واحتجت المعتزلة إلخ) اتفق المليون على أنه تعالى متكلم، ثم اختلفوا في المراد بالكلام وقدمه وحدوثه، لما رأوا قياسين متعارضين انتاجا وهما كلام الله صفة له، وكل ما هو صفة له قديم فكلام الله قديم، وكلام الله أي القرآن مؤلف من حروف مترتبة متعاقبة وكل ما هو كذلك حادث ضرورة فكلامه حادث، فاضطرّوا إلى القدح في أحدهما لامتناع حقيقة النقيضين، فمنعت كل طائفة مقدّمة فالحنابلة ذهبوا إلى أنه حروف، وأصوأت تديمة فمنعوا اقتضاء التعاقب للحدوث حتى لزمهم قدم الورق والجلد بل الكاتب والمجلد ونحوه، مما هو بين البطلان فقيل مرادهم التأدّب للاحتراز عن سريانه للنفسي، كما صرّح بعض الأشاعرة بمنع أن يقال القرآن مخلوق، والمعتزلة ذهبوا لحدوثه لتركبه من الحروف والأصوات، فقالوا هو قائم بغيره ومعنى كونه متكلما أنه موجد للكلام في جسم كاللوح أو جبريل أو النبيّ عليه الصلاة والسلام أو غيره كشجرة موسى عليه السلام ومنعوا اتصاف الله به رأساً، والكرامية لما رأوا الجنابلة خالفوا الضرورة، وهو مكابرة والمعتزلة خالفوا العرف واللغة في جعل المتكلم موجد الكلام قالوا: هو حادث ويجوز قيامه بذاته، والأشاعرة قالوا كلامه قديم نفسيّ قائم بذاته لا بأصوات وحروف، ولا نزاع بينهم وبين المعتزلة في حدوث الكلام اللفظي إنما النزاع في إثبات النفسي، وذهب العضد تبعاً للشهرستاني إلى أنّ مذهب الشيخ أنه ألفاظ قديمة وأفرد لتحقيقه مقالة ذكر فيها أنّ المعنى يطلق تارة على مدلول اللفظ وعلى القائم بالغير، والشيخ لما قال الكلام هو المعنى النفسيب فهموا منه أنّ مراده مدلول اللفظ، وأنه القديم عنده والعبارات إنما تسمى كلاما مجازاً لدلالتها على الكلام الحقيقي حتى صرحوا بأنّ الاً لفاظ حادثة عنده، ولكنها ليست بكلام حقيقيّ، وقد قيل عليه أنّ له لوازم كثيرة الفساد كعدم تكفير من أنكر
كلامية ما بين الدفتين لله مع أنه معلوم من الدين بالضرورة، وكوقوع التحدّي بغير كلام الله تعالى حقيقة، وعدم كون المقروء المحفوظ كلام الله حقيقة وغير ذلك، فوجب حمل كلامه على إرادة المعنى الثاني فيكون الكلام النفسي عنده شاملاً للفظ، والمعنى معاً قائما بذاته تعالى والترتب والتعاقب إنما هو في اللفظ لعدم مساعدة الآلة ونظيره وقوع الحروف دفعة في الختم وأدلة الحدوث يجب حملها على الصفات المتعلقة بالكلام دونه جمعاً بين الأدلة. وقال الدواني: مبدأ الكلام النفسي فيناصفه نتمكن بها من نظم الحروف وترتيبها على ما ينطبق على المقصود، وهي صفة ضد الخرس مبدأ للكلام النفسي، وهي غير العلم إذ قد تتخلف عنه فإنّ في الناس من قد يعلم الكلام للغير ولا يقال إنه كلامه بل كلام من رتبه في نفسه، فكلامه تعالى الكلام المرتب في علمه الأزليّ الذي هو مبدأ للنظم وتاليفه، وهو صفة قديمة وكذا الكلمات بحسب وجودها العلمي، وليس كلاماً له إلاً ما أوجده مرتباً بغير واسطة، ولا تعاقب فيه قبل الوجود الخارجيّ، وهذا مما لا محذور فيه، ومن هنا علم أنّ المعتزلة أنكروا الكلام وقدم الألفاظ