وقالوا: معنى تكلم الله خلقه الكلام، فالمراد بما ذكره المصنف أنّ ما عبر عنه بالماضي إمّا أن يحدث بعد مضيه أو لا، وعلى الثاني يلزم الكذب لأنه أخبر أزلاً عما لم يمض بأنه مضى، وهو محال فلزم حدوثه والحادث لا يقوم به، فالمراد بتكلمه خلقه له والمواد بالمخبر عنه النسبة التي يصدق بها لا المحكوم عليه، فأجيب عنه بأنّ المضيّ، ونحوه بالنسبة إلى بعض المتعلقات مع بعض آخر، ومعنى إنّ الذين كفروا مثلاَ بعد إرسالك من أصر على الكفر كذا، والمضيّ بالنسبة إلى الإرسال ونحوه ولا يلزم من حدوث التعفق حدوث المتعلق بالكسر كما أنّ حدوث المعلوم وتعلق العلم به لا يلزم منه حدوث نفس العلم، ومما يثير إليه قول الأصوليين المضيّ وغيره بالنسبة إلى زمان الحكم، لا إلى زمان التكلم كذا ينبغي أن يفهم كلام المصنف من غير نظر لبعض الأوهام كما قيل من أنه ذهب إلى قدم الألفاظ تبعاً للشهرستاني، وما قيل: من أنه إشارة إلى جواب الغزالي عن هذه الشبهة بأنّ نحو ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا﴾ [نوح: ا] قائم بذاته ومعناه قبل إرساله إنا نرسله وبعده إنا أرسلناه واختلاف اللفظ باختلاف الأحوال ولا محمل له غير هذا مع أن ما ذكره الغزاليّ لا يظهر له وجه مع أنهم قالوا: مدلول اللفظيّ بعينه هو النفسيّ فتأمّل، فإن قلت ليس هذا أوّل ماض وقع في التنزيل وقد سبق أنعمت ورزقنا فلم ذكره هنا ٠
قلت: قد أشرنا إلى أنه بالنسبة إلى زمان الحكم لا التكلم وأنعمت ماض بالنسبة للهداية
وكذا رزقنا بالنسبة للإنفاق، وكذا أنزل بالنسبة إلى الإيمان فلا يتأتى الاحتجاج به بخلاف ما هنا فإنه كلام مبتدأ وزمان الحكم والتكلم فيه واحد، ولأرباب الحواشي هنا كلمات رأينا الضرب عنها صفحاً أنفع من ذكرها. قوله: (خبر إنّ إلخ) هو جار على الوجهين أمّا إذا كان مبتدأ وخبرا
فظاهر، وأمّا إذا كان ما بعده فاعله، فكذلك لكن أجرى الإعراب على جزئه الأوّل، كما في إنّ زيدا قائم أبوه لصلاحيته له بخلاف زيد يقوم وقام، فإنّ الخبر الجملة لا الفعل وحده. قوله: (اسم بمعنى الاستواء إلخ) أراد بالاسم اسم المصدر وهو المراد منه إذا قرن بالمصدر كما هنا، وفي غيره يراد به الجامد أو العلم واسم المصدر ما دل على معناه ولم يجر على وفق أبنية المصادر كالكلام، وللنحويين خلاف في أعماله عمل مصدره والأصح الجواز. وقوله: (نعت به كما نعت بالمصادر) أي المصادر القياسية، والاً فهو مصدر بحسب الأصل كما قاله الراغب، ونعت به بمعنى وصف به، والنعت والوصف بمعنى وقد فرق بينهما بعضهم فقال النعت لا يقال إلا في غير الله، كنعت الثوب والفرس، والرجلى ولا يقال نعوت الله بخلاف الوصف والصفة، وهما يكونان بمعنى التابم النحوي وبمعنى إثبات صفة لشيء مطلقاً سواء كان تابعاً أم لا، وهو المراد هنا لأنّ ما نحن فيه كذلك، فإنّ إرادة الأوّل لقوله يعده إلى كلمة سواء لأنه نعت نحوي، ويعلم حكم غيره بالقياس عليه تكلف من غير داع إليه، وأشار بقوله كما نعت بالمصادر إلى إفادته المبالغة، ولا ينافيه تفسيره بمستو لأنه بيان لحاصل المعنى المراد منه.
وفي الكشاف اسم بمعنى الاستواء وصف به كما يوصف بالمصادر إلخ فقال قدس سره:
أي كما تجري المصادر على ما اتصف بها كذلك تجري سواء على ما يتصف بالاستواء أي يجعل وصفاً له معنوياً إمّا نعتا / نحويا كما في كلمة سواء وأمّا غيره كما في هذه الآية فإن سواء هنا في موقع مستو إمّا حنبرا عما قبله ومسندا لما بعده كما يسند الفعل إلى فاعله فيجب حينئذ توحيده وامّا خبراً عما بعده فيكون ترك تثنيته لجهة المصدرية وكأنه نبه على ذلك حيث قال: أوّلاً مستو عليهم، وثانيا سواء عليهم، واختار بعضهم الوجه الثاني، لأنه اسم غير صفة فالأصل فيه أن لا يعمل، وأيضا المقصود من ايوصف بالمصادر المبالغة في شأن محالها كأنها صارت عين ما قام بها، فزيد عدل كأنه تجسم منه، فإذا أولت باسم الفاعل، أو بتقدير مضاف فات المقصود إهـ. وفيه بحث لأنّ ما نقله من الاختيار وأقرّه ليس بشيء لأنّ قوله إنّ الأصل فيه أن لا يعمل لا وجه له لأنه مصدر والأصل فيه العمل على القول الأصح، فكأنّ هذا القائل توهم أن معنى الاسم في كلامهم اسم الجنس الجامد، وقد علمت أنه غير مراد. وقوله: (المقصود من الوصف إلخ) هو هنا أيضاً كذلك كما ستسمعه عن ابن الحاجب، وصرّج به الطيبي رحمه الله، وقد مرّ توجيهه فلا حاجة إلى ما قيل من أنه إذا أسند إلى الفاعل لا يفيد المبالغة، وان كان له وجه، وكذا ما قيل من أنّ المبالغة تكون بحسب اللفظ وبحسب المعنى، وهو يفيد الأولى كحذف أداة


الصفحة التالية
Icon