بني له وصارت إضافة الزمان له كإضافته إلى مصدره، ومما يدل عليه ما قرّره ابن جني في قول طرفة:
من سديف يوم هاح الضبر
(أقول) عدل المصنف رحمه الله عما في الكشاف من تصحيح الإسناد إلى الفعل بقوله
هو من جنس الكلام المهجور فيه جانب اللفظ إلى جانب المعنى، وقد وجدنا العرب يميلون في مواضع من كلامهم مع المعاني ميلاَ بيناً من ذلك قولهم لا تثل السمك وتشرب اللبن معناه لا يكن منك كل السمك وشرب اللبن وإن كان ظاهر اللفظ على ما لا يصح من عطف الاسم على الفعل اهـ. وما في الكشاف هو المطابق للمنقول، والحق الحقيق بالقبول، وما ذكره المصئف لا وجه له لأنه أدّعى أنه استعمل فيه اللفظ في جزء معناه، وهو الحدث تجوّزا فلذا صح الاخبار عنه كما يجوز الإخبار عما يراد به مجرّد لفظه نحو ضرب ماض مفتوح الباء، وهو مما صرّحوا به لكن قوله إنّ نحو ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ﴾ [البقرة: ١٣] منه يقتضي أنّ كل مقول للقوق مما قصد به مجرّد لفظه، ساعا، وليس بصحيح فإنه أريد به معناه الموضوع له ولفظه إنما يدلّ على إرادة القول لا نفسه كما في المثال السابق ألا ترى قوله تعالى ﴿قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾ [المنافقون: ١] فلو لم يرد معناه الخبري لم يكذبوا (وما قيل) أنّ فوله على الاتساع متعلق بإرادة مطلق الحدث، فإنها هي المبنية على التوسع والتجوّز لا إرادة اللفظ فإنها لا تجوّز فيها عند التفتازاني ﴿لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ﴾ [الغاشية: ٧] لمن له أدنى تدبر وكذا قوله إنّ الفعل المضاف إليه في قوله ﴿يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ﴾ [المائدة: ١١٩] جرد للحدث اتساعا، فإنّ ينفع أريد به نفع فيما يستقبل من يوم القيامة فكيف لا يدل على الزمان وادّعاء مثله مكابرة، ألا ترى قود ﴿يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ﴾ [مريم: ٣٣] وقوله ﴿وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ﴾ [القارعة: ٥] فإنها ناطقة بإرادة الزمان والذي ذكره القوم إنه نظر فيه إلى المصدر ولوحظ لا أنه خص به، وهو كالتغليب ولا يلزم من التأويل خروجه عن حقيقته كما سياتي، وهذا هو الميل مع المعنى ففي كلام المصنف خال ظاهر يصدق قولهم كم ترك الأول للآخر، والعجب أنه لم يتنبه له شراح هذأ الكتاب وقال قدّس سرّه: الفعل إذا نظر إلى لفظه واعتبر معناه على ما يقتضيه ظاهره امتنع الاخبار عنه لكن هجر ههنا مقتضى لفظه، وأول بمعنى مصدر مضاف إلى فاعله فصح الإخبار عنه، ولو أجرى لا تاكل السمك إلخ على ظاهره لزم عطف الاسم وهو تشرب المنصوب على الفعل بل المفرد على جملة لا محل لها، فهو من قبيل ما هجر فيه جانب لفظه إلى معناه من حيث أنه أوّل لا تأكل السمك بما فيه اسم يصلح أن يعطف عليه أن تشرب أي لا يكن منك أكل السماث وشرب اللبن لا من حيث أنه جعل في تأويل مصدر على حدّ قوله ﴿؟ لأنذرتهم﴾ إلخ فإنّ الفرق بين (فإن قيل) هذه الواو بمعنى مع إذ المنهيّ هو الجمع فلو جعل ما بعدها مفعولاً معه كما في ما صنعت، وأباك استغنى عن التأويل.
(قلنا) بل يحتاج إليه لأنّ ما بعد الواو لا يصلح لمصاحبة معمول لا تأكل بل لمصاحبة معمول فعل يمال إليه أي لا يكن منك أكل السمك مع شرب اللبن يعني أنه نظر إلى المصدر في الآية، وفي لا تأكل إلخ وإن كان بينهما بون، فإن ما نحن فيه تركت فيه الحقيقة من كل وجه وفي ذاك الجملة باقية على حالها مستعملة في معناها، لكن هجر الأصل نظرا إلى العطف لا إلى نفسها كما في الكشف، وهذا مما اتفق عليه الشرّاح وما ذكره من السؤال وجوابه مما سبقه إليه الفاضل المحقق وهو مخالف لما حققه الرضي في بحث الحروف حيث قال تبعا لما في ضوء المصباح: لما قصدوا معنى الجمعية فيما بعد واو الصرف نصبوا المضارع بعدها، ليكون الصرف عن سنن الكلام المتقدّم مرشدا من أوّل الأمر إلى أنها ليست للعطف، فهي إذن إما واو الحال وأكثر دخولها على الاسمية، فالمضارع بعدها في تقدير مبتدأ محذوف الخبر، وإمّا بمعنى مع، وهي لا تدخل إلا على الاسم فقصدوا ههنا مصاحبة الفعل للفعل فنصبوا ما بعدها ولو جعلنا الواو عاطفة للمصدر على ملكمدر متصيده من الفعل قبله كما قاله النحاة لم
يكن فيه نصوصية على معنى الجمع، وكون واو العطف للجمعية قليل نحو كل رجل وضيعته، والأولى في قصد النصوصية في شيء على معنى أن يجعل على وجه يكون ظاهراً فيما قصد النصوصية عليه اهـ والثقة بالفاضلين تأبى غفلتهما عما قاله نجم الأئمة نوّر الله مثواه، فكأنهما لم يرتضياه لأنّ ما قرّره النحاة


الصفحة التالية
Icon