المنافقين كانوا على عهده ﷺ للعهد الذي في الموصول، والكفرة المصرّين مطلقا للإطلاق الذي في الناس، وقد مرّ بيان وجه اختيار الموصولية على هذا وما له وعليه، وجواز كونها موصوفة على تقدير العهدية، وقول أبي البقاء: إنّ هذا ضعيف بناء على اختياره إنّ الذين يتناول قوماً بأعيانهم والمعنى هنا على الإبهام، وقد ردّ بالمنع فإنها نزلت في عبد الله بن أبيّ وأضرابه، وابن أبيّ بصيغة التصغير كان رأس المنافقين بالمدينة وأصحابه أتباعه، فإنه كان رئيسا، وإنما حمله على النفاق حب الرياسة كما ذكره أصحاب السير ونظراؤ. أقرانه من أعلام النفاق وهو جمع نظير ككريم وكرماء. قوله: (فإنهم من حيث أنهم صمموا إلخ) جواب سؤال مصرّح به في الكشاف، وهو: فإن قلت: كيف يجعلون بعض أولئك والمنافقون غير المختوم على قلوبهم إلخ وقد اتفق شرّاحه على أن السؤال وجوابه على تقدير كون التعريف للعهد لا للجنس، أي كيف يجعل أهل التصميم على النفاق بعض الكفرة الموصوفين بالختم، وهم محضوا الكفر ظاهرا وباطنا كما يدل عليه قوله، ثم ثنى والمنافقون المذكورون غيرهم، نأجيب بأنّ الكفر المصمم بالإصرار المختوم به، والمغشى على القلوب والأبصار جمع الفريقين من الماحضين المصرّين والمنافقين المصممين معاً وصيرهما جنسا واحدا وهو من لا ينتهي عن الكفر أصلاَ، والمنافقون قد امتازوا عن الماحضين بما ذكر من الزيادة لكن ذلك لا يخرجهم عن الجنس الجامع بينهما وحاصله أنّ المراد بالذين كفروا على تقدير الجنس المصرون مطلقا، فيندرج فيهم المصممون على النفاق، وقوله ثنى بذكر الماحضين حملوه على أنّ الدنافقين لما أفردوا بالذكر كان المقصود بالذات من الحكم المشترك بيان حال الماحضين لا على أنهم المراد به مطلقاً فلا إشكال، وخروج المنافق الذي لا يصرّ لا يضرّ كالكافر الذي لم يدم على كفره وكصاحب الكبيرة بالنسبة للمتقين،
فالمذكور من الأقسام الثلاثة أعلى أعلامهم، وقد ذهب بعضهم في تقريره إلى خلافه فزيفوه كما في الحواشي الشريفية وإليه ذهب في الكشف، ثم قال: ولقد تعمق بعضهم في هذا المقام إلى أن جرّه صلفه إلى أن جعل اللام في المتقين للعهد زاعماً أنّ القسمة المثلثة تقتضي تقابل الثلاثة جنسا أو عهدا، وقد ضل عنه أنّ التقابل لا على الحقيقة، وإلاً لوجب عطف إنّ الذين كفروا على سالفه وقد سبق ذلك مستوفى في تقريره، ولا بدّ للجواد من كبوة فإن قلت على العهد إمّا أن يراد العهد الذهني، أو الذكري والخارجي، وليس المراد الأوّل كما لا يخفى ويرد على الثاني أنه لم يتقدم له ذكر قلت: لا يلزم في العهد الذكري أن يذكر بلفظه بل بما يساوبه، كما قرّووه في قوله تعالى ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى﴾ [آل عمران: ٣٦] فإنّ قولها قبله نذرت لك ما في بطني محرّرا بمعنى الذكر، لأنهم لم يكونوا يحرّرون لخدمة بيت المقدس إلاً الذكور فلذا كان التعريف فيه عهدياً، ومن هذا القبيل ما نحن فيه إذ لا يشترط اتحاد اللفظ بل المعنى.
وقوله قدّس سرّه ولما كان المعهود هنا مذكورا بلفظ آخر أشار إلى ذلك الزمخشريّ بقوله: ونظير موقعه أي موقع الناس موقع القوم في قولك نزلت ببني فلان والقوم لئام إشارة لذلك، وفيما ذكره مخالفة لقول الشارح الفاضل الناس على تقدير العهد إشارة إلى ذلك الجنس لا إلى المصرّين المخصوصين بواسطة الاخبار عنهم باستواء الإنذار وعدمه، ولا إلى الخلص الذين كفروا ظاهرا وباطناً على ما ينساق إليه الكلام بعد امتياز المنافقين منهم، ففيه ردّ ضمني له وبوافقه ما في حواشيه على شرح التلخيص من أنّ المعهود الخارجي كضمير الغائب في تقدّم الذكر تحقيقاً أو تقديراً، وقد جوزوا عود الضمير إلى المطلق المذكور في ضمن المصرّح الحاضر فتدبر. وقوله: (في عداد) بكسر العين أي دخلوا في جملتهم، فيعدون منهم. وقوله: (واختصاصهم الخ) يعني أنّ هذه الضميمة صيرتهم نوعاً، كما يصير الحيوان بانضمام النطق إليه نوعاً منه. قوله: (فعلى هذا تكون الآية الكريمة تقسيماً للقسم الثاني) قيل: إنه ردّ لما يفهم من ظاهر الكشاف من جريان وجهي التعريف على تثليث القسمة لأنّ التثليث إنما يتأتى بجعل الذين كفروا ماحضين للكفر ظاهراً وباطناً، وحينئذ لا يصح جعل المنافقين منهم، أو توجيه له بأنّ قوله ويجوز أن يكون للعهد ليس عديلاً لقوله: ولام التعم يف فيه للجنس، فليسا معاً من تتمة تثليث القسمة بل العهد عديل لتثليث القسمة والجنس من تتمته، والحق معه


الصفحة التالية
Icon