وإن لم يتنبه له شارحو الكشاف وتكلفوا لتصحيحه بما لم ترض أن نلقي عليك شيئاً منه، وقد قدّمناه لك وجعلناه بمرأى منك ومسمع، ومن الناس من فسر كلام المصنف رحمه الله بقوله أي فعلى أن تكون اللام في الناس للعهد يكون قوله عز وجل ﴿وَمِنَ النَّاسِ﴾ إلخ تقسيماً للقسم الثاني، وهم الذين محضوا الكفر ظاهراً وباطناً، وفيه ما فيه من ركاكة المفى المشار إليه آنفاً لعدم صدق المقسم على القسم هنا مع وجوب صدق الجنس على النوع والمقسم على القسم وهذا يشير
إلى أنه اعتراض على الزمخشريّ في التثليث، وأنه على هذا ينبغي أن تجعل القسمة ثنائية وليس هذا كله بشيء ولو سلم أنّ مراده الاعتراض كان واردا عليه، فإنه ثلث القسمة وأتى بما ذكره افي مخشريّ أولاً على أنه مرضيّ له وليس في سياقه ما يدل على أنه اعتراض، فالحق أن يقال إنّ مراده أنّ القسمة ثنائية بحسب الحقيقة ثلاثية بعد اعتبار التقييد والتقابل، كما تقدّمت الإشارة إليه لأنهم ذكروه بعد التقسيم وسكتوا عنه، فالظاهر جريانه على الوجوه، وهذا إنما يتأتى إذا لم يكن الذين كفروا للعهد على أنّ المراد به ناس باعيانهم فتدبر. قوا ٤: (واختصاص الإيمان بالله الخ) أي فائدة اختصاص الإيمان بالله واليوم الآخر بالذكر أو سببه تخصيص إلخ. والمراد بيان وجه تخصيص الإيمان بهما بالذكر من بين جملة ما يجب الإلمان به بأربعة أوجه بعضها ناظر إلى الحكاية، وبعضها ناظر إلى المحكيّ وقوله بالذكر إشارة إلى أنّ التخصيص ليس بمعنى الحصر، وهو أحد معنييه، ويسمى تخصيصاً ذكرياً وتخصيصاً بالإثبات، وهذا صريح في أنّ بالله وباليوم الآخر صلة الإيمان لما مرّ من أنه يتعدّى بالباء، وما قيل: من أنه لا تخصيص هنا لأنّ قوله بالله إلخ قسم منهم أو منه تعالى عدول عن جادّة الصواب بلا داع كما لا يخفى وما تكلفه لتوجيهه غنيّ عن الردّ وكون الإيمان بالله والحشر والنشر أعظم المقاصد الاعتقادية وأجلها ظاهر مع أنّ من آمن بالله على ما يليق يجلال ذاته آمن بكتبه ورسله وشرائعه، ومن علم أنّ إليه المصير استعدّ لذلك بالأعمال الصالحة. قوله: (اجتاؤوا الإيمان من جانببه إلخ) أي جمعوه من أوّله وآخره من الحيازة وهي الضم والجمع ومنه تحيز وتجوز إذا صار في حيز وأصله في كلام العرب العدول من جهة إلى أخرى كما قال تعالى ﴿أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ﴾ [الأنفال: ٦ ا] كما سيأتي بيانه، والقطر بضم القاف وسكون الطاء المهملة تليها راء مهملة بمعنى الجانب، والإحاطة بقطربه وحيازته من جانبيه كناية عن جميعه كما يقال من أوله إلى آخره، والإيمان بهما إيمان بالمبدأ والمعاد اللذين هما طرفا الوجود، وهذا هو الوجه الثاني، وهو بالنظر إلى المحكي كما يشير إليه قوله ادّعاء.
وأمّ ما قيل من أنه على هذا ينبغي أن يقالى أو رد ذان، لأنّ الوجهين الأخيرين لا يجامعانه بوجه وجعلهما جانبي الإيمان إنما يصح لو كان اليوم الآخر آخر أركان الإيمان، وليس كذلك لأن آخر أركانه البعث بعد الموت كما اشتهر في تفصيل الإيمان، فليس بشيء لما بيناه لك فتدبر. قوله: (وإءلذان بأنهم منافقون إلخ) الإيذان الإعلام إعلاما ظاهرا لأنه ذكر في معرض
٤٧٤
ذمّهم وهو حق فعلم أنّ ظاهره غير مراد وهذا هو الوجه الثالث، وهو بالنظر إلى الحكاية، ولذا صدّره بالإيذان ونفاقهم فيما ذكر لأنهم أظهروا الإيمان بما ذكر وظنوا الإخلاص فيه، وما في ضمائرهم لا يوافق ما أظهروه، فهو ضرب من النفاق لعدم موافقة ظاهره لباطنه لأنهم كانوا قبل إظهار الإسلام يهودا فإيمانهم كلا إيمان لقولهم بتشبيه الله بغيره المستلزم للتجسيم، وقول آبائهم ﴿اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ﴾ [الأعراف: ١٣٨] ونسبة الولد له بقولهم عزير ابن الله فإقرارهم بالآخرة كلا إقرار لزعمهم أنه لا يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى وأنّ النار لن تمسهم إلا أياما معدودة قليلة، واعتقادهم أنّ أهل الجنة يتنعمون باستنشاق نسيم الروائح بدون أكل وشرب، ومع ذلك يظهرون أنهم يؤمنون، كما نؤمن فإخلاصهم بحسب زعمهم ونفاقهم باعتبار نفس الأمر، لأنّ النفاق مخالفة الباطن للظاهر فلا يتوهم أنه لا يتصوّر اجتماع الإخلاص والنفاق، وهم منافقون حقيقة ويهود اسم جنس جمعيّ ليهوديّ، وهو مما يفرق بينه وبين واحده بالتاء كتمر وتمرة أو بياء النسبة كزنج وزنجيّ، وأمّا يهود مفردا فعلم للقبيلة غير منصرف ويرون بضم الياء من الإراءة أي يظهرون لهم. قوله: (وبيان لتضاعف خبثهم إلخ) التضاعف والإفراط الزيادة، وهذا الوجه هو الرابع، وهو متعلق بالحكاية ويجوز تعلقه بالمحكي أيضا، والمراد أنهم قصدوا