آمنا إلخ والانتحال بالحاء المهملة أن تنسب لنفسك ما ليس لك، وماكه إلى الكذب من النحلة، وهي الدعوى وهي عند الإطلاق يتبادر منها الدعوى الباطلة، والظاهر أنّ قوله إنكار ما ادعوه ناظر إلى ادّعائهم الإخلاص وإحاطة عقائدهم بالإيمان من جميع جهاته. وقوله: (ونفي ما التحلوا) ناظر إلى ما أشار النظم إليه من حشو عقائدهم الفاسدة بالتشبيه وما يضاهيه ومن لم يدقق النظر فيه قال: إنه عطف تفسيريّ فلم يحم حول الحمى:
فيا دا- ها بالخيف إنّ مزارها قريب ولكن دون ذلك أهوال
ولذا عدل عن قوله في الكشاف القصد إلى إنكار ما ادّعوه ونفيه، وهو أخصر. قوله:
(لكنه عكس إلخ) لأنّ ما قالوه في مأن الفعل لا الفاعل، وما هنا في شأن الفاعل لا الفعل أي في بيان أنه بحيث لم يصدر عنه ذلك الفعل سواء قصد بذلك اختصاصه بنفي الفعل، كما سيأتي في قوله تعالى ﴿وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ﴾ [هود: ٩١] أو لم يقصد فإنه لا يطابق ردّ دعواهم، والمطابق أن يقال: وما آمنوا. والجواب أنّ العدول إلى الاسمية لسلوك طريق الكناية في ردّ دعواهم الكاذبة فإنّ انخراطهم في سلك المؤمنين و ٥ ونهم طائفة من طوائفهم من لوازم ثبوت الإيمان الحقيقي لهم وانتفاء اللازم أعدل شاهد على انتفاء ملزومه ففيه من التوكيد، والمبالغة ما ليس في نفي الملزوم ابتداء، وكيف لا وقد بولغ في نفي اللازم بالدلالة على دوامه المستلزم لانتفاء حدوث الملزوم مطلقا وكد ذلك النفي بالباء أيضاً فليس في هذه الاسمية تقديم لقصد الاختصاص أصلاَ ولا لجعل الكلام في شأن الفاعل أنه كذا، أو ليس كذا قطعاً بل المقصود بها ما ذكرناه من سلوك طريق هو أبلغ وأقوى في ردّ تلك الدعوى، ونظيرها في سلوك " فذه الطريقة وما هم بخارجين منها كذا أفاده الشراح، وزاد السعد روّح الله روحه قوله: لا يقال: الاسمية تدل على الثبات فنفيها يفيد حينئذ نفي الثبات لإثبات النفي وتأكده لأنا نقول ذلك إذا اعتبر إثبات بطريق التأكيد والدوام ونحو ذلك، ثم نفي وهنا اعتبر النفي أو لا، ثم أكد وجعل بحيث يفيد الثبات، أو الدوام وذلك، كما أنّ ما أنا سعيت في حاجتك لاختصاص النفي لا لنفي الاختصاص وبالجملة فرق بين تقييد النفي ونفي التقييد، وقد قيل في تقرير هذا الجواب أنّ الكلام من قبيل الكناية الإيمائية للتلاجد لأنّ الضمير لما أولى حرف النفي وحكم على الكفار بإخراج ذواتهم عن طوائف المؤمنين لزم من ذلك نفي ما ادّعوه من الإيمان على القطع والبت، وقيل: يمكن أن يجري الكلام على التخصيص ويكون الكلام في الفاعل، فإنّ الكفار لما رأوا أنفسهم أنهم مثل المؤمنين في الإيمان الحقيقي وادّعوا موافقتهم قيل في جوابهم، وما هم بمؤمنين على قصر الإفراد لأنهم ادّعوا الشركة فرد قولهم باختصاص المؤمنين
بذلك، وقرّره بعض الأفاضل بأنّ إثبات الإيمان بالجملة الفعلية لا يطابقه نفيه بالجملة الاسمية والجواب أنّ المقصود نفي ما ادّعوه، وهو يحصل بهما والاسمية أبلغ، ولا يخفى ما فيه من القصور والفضل للمتقدّم.
(أقول) هذا ملخص القيل والقال لا مخلص الإفهام من شرك الإشكال، وتلخيص تخليصمه أنه يرد أولا على ما قيل: من أنّ انخراطهم في سلك إلخ ما سمعته آنفا أنه إنما يصح لو قيل: وما هم من المؤمنين إذ ليس قوله ﴿وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: ٨] مثل قوله: وما هم من المؤمنين لأنّ هذا يفيد أنهم ليسوا من عدادهم، وجملتهم على ما قرّروه في مثل قوله ﴿وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ﴾ [التحريم: ١٢] حيث عدل عن كانت قانتة الأخصر الأظهر إليه لما ذكر على ما في شرح المفتاح ويجاب عنه بأنّ المبالغة من تقديم الفاعل وإيلائه حرف النفي لأنّ نفي فاعليتهم يستلزم نفي صدور الفعل منهم على أبلغ وجه سواء جرّ الوصف بالباء أو بمن فلا يرد عليهم شيء كما توهم ويرد عليه ثانياً أنه قال: فليس في هذه الاسمية تقديم لقصد الاختصاص أصلاً، وقد عرفت أنه في النظم أثبت الإيمان للمؤمنين على أتم حال ونفي عن هؤلاء ذلك بأبلغ وجه ولا اختصاص أقوى مصتفهذا، ولا بدّ من القول به للزومه لتثليث القسمة السابق، ويدفع بأنّ المراد أنه لم يقصد الحصر، وإنما قصد تأكيد نفي الإيمان عن هؤلاء وهو لا ينافي صحة الحصر في نفسه لأنّ الكلام البليع كثيرا ما يلوح بأمور لازمة للمقام، وإن لم تقصد منه بالذات، ويرد هنا ثالثا أنه قال في الكشاف فقد انطوى تحت الشهادة عليهم بذلك نفي ما انتحلوا إثباته


الصفحة التالية
Icon