لأنفسهم على سبيل القطع والبت ونحوه قوله تعالى ﴿يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا﴾ [المائدة: ٣٧] هو أبلغ من قولك وما يخرجون منها، ولما صرح في تفسير هذه الآية حيث قال ثمة هم هنا بمنزلتها في قوله هم يفرشون اللبد كل طمرّة.
في دلالته على قوّة أمرهم لا على الاختصاص، اهـ. علم أنه لا اختصاص هنا أيضاً،
كما صرّح به الفاضلان في شرحه، وأنّ من حمله عليه لم يصب لغفلته عما هناك، والمصنف رحمه الله لما ترك هذا رأساً علم أنه ذاهب إلى الاختصاص، أو مجوز له وقد تردد فيه بعض أرباب الحواشي هنا إلا أنه رمية من غير رام، وفي عروس الأفراح: أنّ ما ذكره الزمخشرقي في قوله تعالى ﴿وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا﴾ [الماثدة: ٣٧] دسيسة اعتزالية لأنه لو جعل للاختصاص لزمه تخصيص عدم الخروج من النار بالكفار، فيلزم خروج أص!، ب الكبائر كما هو مذهب أهل السنة والزمخشريّ أكثر الناس أخذاً بالاختصاص في مثله، فإذا عارضه الاعتزال فزع منه اهـ ويحتمل أنّ المصنف إنما طرحه لهذه النكتة ولم يتنبه له أحد من أرباب الحواشي مع أنّ دأبه أنه لا يعدل عما في الكشاف إلا لمقتضى. قوله: الأنّ إخراج ذواتهم من عداد المؤمنين إلخ) العداد بكسر العين ما يعد يقال هو عديد بني فلان وفي عدادهم أي يعد فيهم
وهذا الإخراج مستفاد من إيلاء الضمير حرف النفي، كما قرّرناه لك فلا يرد عليه أنه إنما يفيد ذلك لو كان النظم من المؤمنين وليس كذلك وبينهما فرق ظاهر. وقوله في التفسير الكبير: نظيره أنّ من قال: فلان ناظر في المسئلة الفلانية، فإن قلت: إنه لم يناظر فيها فقد كذبته، وأمّا لو قلت أنه ليس من المناظرين فقد بالغت في تكذيبه يعني أنه ليس من هذا الجنس، فكيف يظن به ذلك، فكذا ههنا إن أراد أنهما سواء معنى لم يصح وان أراد أنه يشبهه، وإن لم يكن منه صح ومن لم يتنبه له أورده هنا فتدبر. قوله: (وأطلق الإيمان إلخ) الظاهر المطابق لما في الكشاف أنه ابتداء كلام لفائدة مستقلة ويجوز جعله متعلقاً بقوله ولذلك أي لأجل التأكيد أتى به مطلقاً عما قيدوه من الإيمان بالله واليوم الآخر، لأنّ نفي المطلق يستزلم نفي المقيد لعمومه، كما أشار إليه بقوله ليسوا من الإيمان في شيء فهو أبلغ وآكد وحينئذ إمّا أن ينزل منزلة اللازم أو يحذف مفعوله للعموم المذكور، ولما كان التقدير محتملا هنا بقرينة وقوعه في جواب المقيد ذكره مؤخراً إيماء لمرجوحيته، ثم إنّ من الإطلاق أيضا ذكره باسم الفاعل الذي ليس بمقيد بزمان، فيشمل نفيه جميع الأزمان، ولو قيل ما آمنوا كان لنفي الإيمان في الماضي، والمقصود أنهم ليسوا متلبسين بشيء من الإيمان في شيء من الأوقات، وفي كلام المصنف رحمه الله إشارة إلى هذا ولم يصرّج به كما في البحر لظهوره. وقوله: (بما قيدوا به) الظاهر أنّ لفظ قيدوا مبنيّ للمعلوم، وتقييدهم بناء على الظاهر المتبادر منه من أنه للتخصيص، فإذا كان ادّعاء لحيازة جميع أجزاء الإيمان من جوانبه فهو بحسب ظاهره تقييد، أو هو تقييد بجميع ما صدق عليه، فلا وجه لما قيل من أنه حينئذ ليس بتقييد مطلقاً، فإنه إطلاق على إطلاق وتقييد على تقييد، فالأولى أن يقرأ قوله بما قيدوا به على صيغة المجهول، ولا يخفى ما فيه فتأمّل. قوله: (والآية تدلّ عفى أن من اذص الإيمان إلخ) مذهب الكرامية أنّ الإيمان هو التصديق باللسان فقط، لكنهم قالوا: إن طابق القلب، فهو مؤمن ناج، والا فهو مؤمن مخلد في النار ولذا قيل ليس للكرامية خلاف في المعنى، والإمام تبعاً للماتريدي في التأويلات استدل بهذه الآية على إبطال مذهبهم لأنها إخبار عنهم بأنهم قالوا ذلك بألسنتهم وأظهروا خلاف ما في قلوبهم، وقد قال تعالى إنهم ليسوا بمؤمنين فهذه الآية ونحوها تدل على أنّ الإيمان تصديق القلب وحده، أو مع اللسان فكيف يقول الكرامية إنه التصديق اللساني فقط ورذه المصنف رحمه الله بأنّ الآية إنما تدل على أنّ من ادّعى الإيمان بلسانه، وخالف لسانه قلبه ليس مؤمنا أمّا على تقدير كون تعريف الناس للعها-، فظاهر لأنهم من المختوم على قلوبهم وأمّا على أنها للجنس فلأنّ الله كذبهم وليس ذلك إلا لعدم مطابقة التصديق القلبي للساني، فلا يدل على أنّ من أقرّ بلسانه، وليس في قلبه ما يوافقه، أو ينافيه ليس بمؤمن وهو محل النزاع، فكيف يكون
حجة عليهم وقد أورد عليه أنّ المذكور في المقاصد، وغيره من كتب الكلام أنّ مذهبهم القول بأنّ من أضمر الكفر وأظهر الإيمان مؤمن عندهم مطلقا، والآية حجة عليهم بلا شبهة، وقد نقل الإمام كغيره عنهم