أنّ المنافق مؤمن عندهم، ومن مذهبهم أنّ الإيمان لا يلزم أن يكون منجياً من العذإب المخلد وذهب غيرهم إلى أنه لا يسمى إيمانا إلا المنجي وقيل: إنّ المصنف رحمه الله دقق النظر في مذهبهم فرأى أنّ المناق مخلد في النار عندنا وعندهم وأمّا في الدنيا فأحكام الإسلام جاربة عليهم عندنا وعندهم، فليس بيننا وبينهم اختلاف إلا فيمن تلفظ بالشهادتين فارغ القلب عن النفي والإثبات، فعندهم هو مؤمن ناج وعندنا ليس بمؤمن وهو كلام حسن. قوله: (الكرامية) هم فرقة معروفة منسوبة إلى رئيسهم أبي عبد الفه محمد بن كرام النيسابوري واختلف في اسم أبيه فقيل: إنه بفتح الكاف وتشديد الراء، لأنّ أباه كان يحفظ الكرم، ويقال لحافظه كرام كما قاله السمعاني، وقال المطرزي أخبرني الثقات أنه بفتح الكاف، وتخفيف الراء بزنة حذام وقطام، وكذا صححه الذهبيّ وابن المرحل واستشهدوا بقول أبي الفتح البستي رحمه الله تعالى:
إنّ الذين بجمعهم لم يقتدوا بمحمد بن كرام غيركرام
الرأي رأي أبي حنيفة وحده والدين دين محمد بن كرام
قوله (الخدع أن! ومم غيرك إلخ) كذا في أكثر النسخ بغير ألف وفي بعضها الخداع بالألف والخداع والخدع بكسر الخاء وفتحها بمعنى، وفي المصباح خدعته خدعاً والخدع بالكسر الاسم منه يعني أنه اسم مصدر بمعناه والخديعة مثله، وفي الكشاف والخدع أن يوهم صاحبه خلاف ما يريد به من المكروه، وزاد المصنف تبعاً للراغب في مفرداته قوله: لتنزله عما هو فيه، أو عما هو بصدده كما هو في النسخ الصحيحة بالخطاب مضارع من التنزيل أو الإنزال، وهو مجاز عن صرفه عما هو متصد له، وهو بمعنى ما في بعض النسخ وهو قوله لتزله من الأزلال وقد فسر هنا بالإسقاط والإزالة، وهو تفسير له بلازم معناه وسيأتي تحقيقه في قوله تعالى ﴿فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ﴾ [البقرة: ٣٦] وقال الإمام: هو إظهار ما يوهم السلامة، وابطان ما يقتضي الإضرار بالغير أو التخلص منه فقيل إنه إشارة إلى أنّ ما في الكشاف غير جامع، وقال الطيبي: لعل توله من المكروه يشمل التخلص منه لأنّ العدوّ يكره خلاص عدوّه، وقال قدس سرّه: هو أن يوهم صاحبه خلاف ما يريد به من إ أصكروه، ويصيبه به كما يدل عليه تفسير أعحله المأخوذ منه ويؤيده قوله مخدوعا ومصاباً بالمكروه من وجه خفيّ، وهذا معنى لغويّ لا عرفيّ كما قيل، وقال المدقق في الكشف: التحقيق أنّ الخاع صفة فعلية قائمة بالنفس عقيب اسنحضار مقدمات في الذهن متوصل بها توصلا يستهجن شرعا، أو عقلاَ أو عادة إلى استجرار منفعة من نيل معروف لنفسه، أو إصاية مكروه لغيره مع خفائهما
على الموجه نحوه القصد بحيث لا يتأتى ذلك النيل أو الإصابة بدونه إذ لو تأتى لزم فوت غرض آخر حسب تصوّره والغنيّ عن كل نيل وإصابة واستجرار منفعة لنفسه لا يصح عليه ذلك، وهو متعال عن العمل واستحضار المقدّمات، وأمّا أنه لا يخاع، فهو أظهر لأنه جل عن أن يحوم حول سرادقات جلاله نقمى الانفعال وخفاء معلوم مّا عليه اهـ. فعلى هذا يكون الحرب خدعة وخدعة الأب البار لولاه هـ واستدراج بعض الناس إلى الخير مجاز، وهذا ردّ على ما قيل من أنّ من الخداع ما يكون حسناً. قوله: (عما هو فبه أو عما هو بصدده) هكذا صححه أرباب الحواشي ووقع في نسخة عندي عما هو بصدده، وكانه من إسقاط النساخ وصدد بفتحتين بمعنى القرب يقال هو بصدد كذا إذا تصدّى لفعله وقرب من تناوله أي لتصرفه عن مطلوبه الحاصل له، أو عن مطلوبه الذي هو بصدد تحصيله فمعنى الخداع الإيهام المذكور مع قصد الإزلال سواء حصل إزلاله أم لا، ولا يرد عليه ما قيل من أنّ الظاهر أنّ الإزلال بالفعل معتبر في معنى الخداع في عرف العامّة، كما يدل عليه ما بعده لأنّ ما ذكره على تقدير صحته لا ينافي ما ذكره المصنف رحمه الله في معناه لغة وحقيقة، كما لا يخفى وأوهم يتعدى إلى مفعولين يقال: أوهمته الشيء أهمه أوقعته في خلده، وأوهمنيه غيري ووهمنيه. قوله: (من قولهم خدع الض! ب إذا إلخ) الضبّ حيوان: صروف، وخدع الضبّ بمعنى توارى واختفى وضب خادع وخاع بفتح فكسر بزنة حذر وكتف مبالغة خادع، والحارس من الحرس، وهو صيد الضب خاصة وخارش الضباب يحرك يده على حجره ليظته حية فيخرج ذنبه ليضربها فيؤخذ. وقولهم: هو يحترس لعياله أي يكتسب مجاز منه فلا