يرد يرد عليه كما توهم وخداع الضب لأنه يتخذ لحجره منافذ يسترها، ويرقق سترها فإذا رأى حارشه أوهمه أنه يقبل عليه، ثم يخرق إحدى منافذه ويخرج منها، وفي الصحاح والنافقاء إحدى حجرة اليربوع يكتمها ويظهر غيرها، وهو ئوضع يرققه فإذا أتى من قبل القاصعاء ضرب النافقاء برأسه، فانتفق أي خرج والجمع النوافق والنفقة أيضا مثال الهمزة النافقاء تقول منه نفق اليربوع تنفيقا ونافق أي أخذ في نافقائه ومنه اشتقاق المنافق في الدين اهـ. وبهذا عرفت موضع الخداع من المنافق فإنّ له هنا موقعا يذوقه من شمّ رائحة الإعجاز وقال الراغب خاع الضب استتر في جحره، واستعمال ذلك فيه لصا اعتقدوا من أنه يعدّ عقرباً يلدغ من يدخل يده في جحره حتى قيل العقرب بوّاب الضب وحاجبه، ولاعتقاد الخديعة فيه قيل أخدع من ضبّ، وقوله من باب آخر إشارة إلى ما ذكرناه من أنه يتخذ لجحره منافذ متعدّدة وقلت فيه:
خدام المرء وصاحبه في لؤم الطبع يناسبه
والعقرب قالوا في مثل بوّاب الضث وحاجبه
وقوله: وأصله الإخفاء يعني أنّ معن! الخداع لغة ما مرّ وأصل معناه بحسب اشتقاقه ما
ذكر، وهو الإخفاء لتعدبه في أكثر معانيه فإنّ المنافق يخفي مقصده والضبّ يخفي مخرجه، وما قيل من أنّ الظاهر أن يقول الخفاء فإنّ أهل اللغة يقولون: أخاع إخداعا بمعنى أخفى إخفاء، فيكون خاع بمعنى خفي لا وجه له أصلا وقال ابن عطية: أصله الفساد، وحكى ما ذكوه المصنف رحمه الله بصيغة التمريض، وكلام الراغب يوهم أنّ أصل معناه التلوّن. وقوله: (ومنه المخاع للخزانة) أي مما أخذ من الخاع بمعنى الإخفاء المخاع بتثليث الميم كما في المصباح وفتح الدال، وقال الراغب: المخاع بيت في بيت كأنّ بانيه جعله خادعاً لمن رام تناول ما فيه وقالوا أصله الضم وكسر لتوهم أنه آلة، والخزانة بكسر أوّله ما يخبأ فيه المتاع، ولذا قيل الخزانة لا تفتح، والأخدعان تثنية أخاع، وهما عرقان في جانبي العنق وشعبة من الوريد تخفي وتظهر، فلذا توهم فيهما الخداع فسميا بذلك ويطلق على جانب العنق مجازاً. قوله: (والمخادعة تكون بين اثنين إلخ) المعروف في المفاعلة أن يفعل كل أحد بالآخر مثر ما يفعله به، فصيغة المخادعة تقتضي أن يصدر من كل واحد من الجانبين فعل يتعلق بالآخر، وخاع المنافقين لله، وهو أن يوقعوا في علمه خلاف ما يريدونه به من المكروه، ويصيبونه مما لا خفاء في استحالته لأنه لا تخفى عليه خافية، وخاع الله إياهم بأنّ يوقع في أوهامهم خلاف ما يريدون من المكاره ليغتروا، ثم يصيبهم به لا يصدر منه تعالى أمّا عند المعتزلة، فلأنه قبيح بناء على أصلهم الفاسد، ولذا ترك المصنف رحمه الله التعرّض له وأمّا عندنا معاشر أهل السنة فلأنه يمتنع أن ينسب إليه تعالى حقيقة لما يوهمه ظاهره من أنه إنما يكون عن عجز عن المكافحة، وإظهار المكتوم لأنه المعهود منه في الإطلاق كما ذكره في الانتصاف، ولذا زبد في تفسير الخاع مع استشعار خوف، أو استحياء من المجاهرة، وأيضا من المعلوم أنّ حاله تعالى مع المنافقين لم يكن حقيقة هذا المعنى المذكور، وأنّ المؤمنين وإن جاز أن يخدعوا من غير أن يرجع إليهم في ذلك نقصان لم يجز أن يقصدوا خدعهم، فإنه غير مستحسن بل مذموم مستهجن وقوله وخداعهم لم يقل فخداعهم بالفاء التفريعية لأنه ليس علة لما قبله، كما لا يخفى ولا معلولا له لأنه علله بقوله لأنه إلخ فلا وجه لما قيل من أنه كان الظاهر أن يقول: فخداعهم لتفرّعه على ما قبله مع أنه لو صح، فالمصنف رحمه الله لم يقصده لخفائه. قوله: (لأنه لا يخفى عليه خافية إلخ الما اقتضت المفاعلة أنّ المنافقين يخدعون الله وأنّ الله يخدعهم، وكل منهما غير مراد وغير مستقيم أمّا الثاني فظاهر، وأمّ الأوّل فلأنه تعالى لا يخفى عليه خافية، فكيف يخدعه غيره، والمنافقون عالمون بذلك أيضاً لأنهم من أهل الكتاب. وقوله: (ولأنهم لم يقصدوا خديعته) إشارة لهذا فإنهم إذا تحققوا أنه لا يخاع بالضم لم يقصدوه إذ العاقل لا يقصد ما تحقق امتناعه ولذا قال في شرح التأويلات لا أحد يقصد مخادعة الله مع إقراره بأنه خالقه، ولئن سألتهم من خلقهم ليقولهن الله، وهذا كما قاله بعض الفضلاء
ردّ على ما قاله الزمخشريّ في الجواب الثاني من الأربعة حيث قال أن يكون ذلك ترجمة عن معتقدهم، وظنهم أن الله تعالى ممن يصح خداعه لأنّ من


الصفحة التالية
Icon