والمراد باستئنافها عطفها على الجملة المستأنفة، وقول الشارحين الفاضلين في ردّه إنه ليس مما يعتد به وان توهم كونه أوفى بتأدية هذه المعاني، وذلك لعدم دلالته على اندراج هذه الصفة، وما بعدها في قصة المنافقين وبيان أحوالهم إذ لا يحسن عود الضمائر التي فيها إليهم كما يشهد به سلامة الفطرة لمن له أدنى درية باساليب الكلام لا يظهر له وجه عندي، فإنّ عود الضمائر رابط للصفات بهم، وسوق الكلام مناد عليه، وقد يأتي في الصفة الواحدة جمل مستأنفة بغير عطف كما مرّ فإذا لم ينافه الاستئناف رأسا كيف ينافيه العطف على أوّله المستأنف، والعطف إنما يقتضي مغايرة الأحوال لا مغايرة القصص، وأصحابها ألا ترى أنه لو قال قائل لولا الحمقى لخربت البلدان، ولولاهم لم يحتج لحاكم ولا سلطان، فالجملة الثانية معطوفة على أوّل الكلام وهما صفة لشيء واحد بغير مرية، ومن الناس من سرد الوجوه هنا من غير تفطن لما بينهما من المنافاة، وفي شرح الكشاف للرازي الثاني أوجه، لأنّ قوله ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ﴾ [البقرة،
الآية: ٩١] وقوله ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ﴾ [البقرة: ٧٦] معطوفان على قوله ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ﴾ فلو عطف على يكذبون كانا أيضاً معطوفين عليه فيدخلان في سبب العذاب، فتنتفي فائدة اختصاص الكذب بالذكر المبنيّ عليه ما مرّ، وقيل عليه إنّ الثلاثة حينئذ معطوفة على يكذبون عطفاً تفسيرياً لكذبهم لأنّ قولهم ﴿إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾ و ﴿أَنُؤْمِنُ﴾ إلخ وآمنا كذب فلا يقابل الكذب حتى يبطل الاختصاص وفائدته.
وأجيب عنه بأنّ جعل العطف تفسيريا يأباه تصريحه بأنّ المراد بكذبهم قولهم ولمنا بالثه واليوم الآخر} وقوله ﴿أَنُؤْمِنُ﴾ إنشاء لا يلحقه الكذب وفائدة الاختصاص تفهم من تقديمه، والتصريح بكونه سبباً أوّل وهلة، ثم إنه اختار مسلكا آخر، وهو أنّ الأوّل أوجه على قراءة يكذبون بالتشديد والثاني أنسب بالتخفيف لأنه يكون سبباً للجمع بين ذمهم بالكذب والتكذيب، وعلى الثاني يكون تأكيدا والتأسيس أولى، وفيه نظر فتدبر. قوله: (وما روي عن سلمان الخ) هذا أثر روي عن سلمان الفارسيّ الصحابي المشهور رضي الله عنه كما أخرجه ابن جرير عنه وكذا تأويله الذي ذكره المصنف عنه، وعبارته كما نقله عنه خاتمة الحفاظ السيوطي لعله قال ذلك بعد فناء الناس الذين كانوا بهذه الصفة على عهده صلّى الله عليه وسلم خبراً منه عمن هو جاء منهم بعدهم، وإن لم يجيء وقوله بعد مبنيّ على الضم، وهذا الاستعمال معروف يقال لم يكن كذا بعد أي إلى الآن لأنّ التقدير بعدما مضى من الزمان، وتفسيره بأنه بعد هؤلاء، أو بعد زمانه عليه الصلاة والسلام ليس بتام، والمراد بأهل الآية من ذكر فيها ووصف بها، فسموا أهلها توسعاً لظهور معناه. قوله: (فلعله أراد به إلخ) قد مرّ أنّ المصنف دأبه أن يعبر بلعل عما لم يجزم به لا لما هو من نتائج قريحته كما يريده غيره بهذه العبارة، وما ذكره من الأثر وتوجيهه حاصله أنّ الآية في المنافقين مطلقاً لا تختص بمنافقي عصره أو منافقي المدينة، وان نزلت فيهم لأنّ خصوص السبب لا ينافي عموم النظم كما هو مشهور، فالآية عامة تشملهم، وتشمل من ياني بعدهم عن جنسهم ولا يريد أنها مخصوصة بقوم آخرين مباينين لهؤلاء بالكلية حتى يقال إنه مناف لظاهر النظم وعود الضمير على ما بعد، ولذا قيل إنّ المرويّ يدل بظاهره على أنّ المراد بهذه الآية غير المراد بما قبلها فلا يكون عطفا على يقول أو يكذبون، ولا يمكن أن يراد به ظاهره، فلعله أراد به أنّ أهل هذه الآية ليسوا الذين كانوا موجودين عند نزولها فقط بل وسيكون من بعد من حاله حالهم، وإنما له يمكن إرادة ظاهره لأنّ الآية متصلة بما قبلها بالضمير الذي هو في لهم، وقالوا فيقتضي أن يراد بهذه الآية الناس المذكورون في الآية المتقدّمة، وإلا لم يحسن محود الضمير على من قبل كما يشهد به سلامة الفطرة، وأمّا ما قيل من أنّ توجيه المصنف رحمه الله لا يخفى بعده، والأوجه أنّ المراد أهل الاتعاظ بهذه الآية من مفسدي الأرض من المسلمين لأنه لم يكن في زمنه عليه الصلاة والسلام من المؤمنين
مفسدون، فغفلة عما أراده، وعدول إلى ما هو أبعد منه. قوله: (والفساد خروج الشيء عن الاعثدال إلخ) هذا معناه اللغوي المضاد للصلاح ويقرب منه البطلان، ولذا فسر به والط كان للفقهاء فرق بين الفاسد، والباطل على ما فصلوه يقال فسد فسادا وفسوداً، وأفسده غيره، وقوله في الأرض قيل: إنّ ذكره للدلالة على الاستغراق، وفيه إيماء إلى


الصفحة التالية
Icon