تعظيم الشريعة، والرسول صلّى الله عليه وسلّم والمؤمنين بأنهم صلاج الدنيا كلها والإفساد الضارّ بهم ضمار بالدنيا كلها، فما الناس والدنيا سواهم، أو جعلى ما عدا أرض المدينة لتمحض الكفر فيها إذ ذاك ملحقاً بالعدم، وأرضها كأنها الدنيا. قوله: (وكلاهما يعمان كل ضار ونافع وكان من فسادهم إلخ) أي الفساد والصلاج يشمل كل منهما ما يضرّ وما ينفع، هذا بحسب الظاهر مخالف لما في الكشاف وفي العدول عنه إشارة إلى عدم ارتضائه له وعبارته هكذا، والفساد خروج الشيء عن حال استقامته، وكونه منتفعا به ونقيضه الصلاج، وهو الحصول على الحالة المستقيمة النافعة اهـ. وهكذا هو في التفسير الكبير، وقد يقال إنه لا منافاة بينهما لأنّ ما ذكره المصنف رحمه الله باعتبار الحقيقة، والمآل وهو الذي ارتضاه الراغب، وما ذكره الزمخشريّ باعتباره في أصله وما هو من شأنه، وما قيل: من أنّ الضارّ منتفع به لمن يقصد الإضرار تكلف لا حاجة إليه، ومقابلة الفساد بالصلاح هو المشهور كما قال تعالى ﴿وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا﴾ أسورة الأعرأف: ٥٦] وقد يقال: في مقابلة السيء كما قال تعالى ﴿خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا﴾ [التوبة: ٠٢ ا] وقد يجعل مقابل الصحة وهو مختص في الأكثر بالأفعال وقوله وكان من فسادهم إلخ من إمّا ابتدائية أي وكان ينشأ من فسادهم ما ذكر فهو توطئة لما بعده، وتحتمل التبعيضية، ولذا قيل إنه أشار بادراجها إلى أنّ الفساد لا ينحصر في هذه الأمور التي في الكش! اف بل منه ما ذكره غير. من تغيير الملة، وتحريف الكتاب، ودعوة الكفار في السرّ إلى تكذيب ال! صلمين، ومنه إظهار المعاصي والإهانة بالدين، فيكون كلام المصنف رحمه الله مخالفا لما في الكشاف، والذي في حواشي غيره أنهما متحدان، وفي الحواشي الشريفية تفسير فساد المنافقين بالفساد الناشىء من جهلهم لإفسادهم في أنفسهم، والأولى أن يقال إفسادهم لأنّ ممالأتهم لإفشاء الأسرار إفساد، ولما كان حقيقة الإفساد جعل الشيء فاسداً، ولم يكن صنيعهم كذلك جعلوه من قبيل مجاز الأوّل أي لا تفعلوا ما يؤذي إلى الفساد، وقد يقال: ما كانوا فيه عين الفساد في أنفسهم ومعنى ﴿لاَ تُفْسِدُواْ﴾ لا تأتوا بالفساد، ولا تفعلوه، فلا حاجة إلى المجاز، وليس بشيء إذ ليس إتيان الشيء بفساد نفسه حقيقة الإفساد، وفائدة في الأرض التنبيه على أنّ فسادهم يؤدّي إلى فساد عامّ من الحروب والفتن واختلال الدين والدنيا كما مرّ، ولم يحمل إفسادهم على تحريف الكتاب والأحكام، ودعوة الكفار سر التكذيب المؤمنين، كما حمله عليه غيره، لأنه لا ظهور حي! عذ لتلك الفائدة.
(أقول) تبع في هذا من قبله من الشراح، وفي بعض الشروح أنه وهم، لأنّ ممايلتهم وممالأتهم لما كانا مفضيين إلى هيج الحروب والفتن فساد بالتفسير المذكور باعتبار ما يترتب عليهما، وكونه إفسادا للأمور والمصالح لا ينافي كونه فسادا بالتفسير المذكور، ولا وجه له إلا أنّ ما ذكروه غير متجه لأمور فيه أكسبته خللا منها أنّ قولهم إنّ الأولى أن يقال إفسادهم بدل فسادهم فيه فساد، لأنّ الفساد ورد بمعنى الإفساد فالأولى تفسيره به ألا ترى قوله تعالى في سورة المائدة ﴿وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا﴾ [المائدة: ٦٤] فإنه بمعنى الإفساد وبه فسر كما في أنبتكم من الأر ضنباتاً والذي دعاهم، لما ذكر ظنهم أنه مصدر فسد اللازم وليس بلازم، ومنها أنهم زيفوا ما في الكشف وتلقاه من بعدهم بالقبول، وليس بوارد أيضا لأنه يريد أنّ الداعي لتأويله، وجعله مجازا أنه لم يقع منهم الإفساد، وإنما صدر منهم الفساد، فلو نزل منزلة اللازم وأريد منه أنه يفعل الفساد ويتصف به بقطع النظر عن تعدي إفساده لغيره، كما في يعطي ويمنع تم المراد، ولم يقل إنّ فساد نفسه حقيقة الإفساد ولم ينظر لحقيقة ولا مجاز فيه، ومنها أنّ قولهم لا ظهور لتلك الفائدة غير مسفم أيضاً لأنّ التحريف المذكور، والدعوة للتكذيب يؤدّي إلى الفتن، والاختلال في الدين والدنيا بغير مرية فتدبر. قوله: (هيج الحروب والفتن) يقال: هاجت الحرب هيجا وهياجا وهيجاناً إذا ثارت، ووقع القتال وغيره مما يفعل بالعدوّ، ويقال هاجها أيضاً، فهو متعد ولازم كما ذكره اللغويون من غير تفرقة بينهما غير أنّ اللازم كثر استعمالاً، وفي حواشي الكشاف لابن الصائغ نقلا عن أفعال ابن طريف أنّ مصدر اللازم الهياج ومصدو المتعدي الهيج قال: فهيج الحروب مصدر مضاف للمفعول، ولو قال هياج كان مضافا للفاعل


الصفحة التالية
Icon