الشائبة واحدة الشوائب وهي الأدناس والأقذار، وفيه إشارة إلى أنّ القصر فيه إفراديّ، فإنهم لما نهوا عن الفساد، والإفساد توهموا بأنهم حكموا عليهم بأنهم خلطوا عملا صالحاً وآخر سيثا، فاجابوهم بأنهم مقصورون على محض الإصلاح الذي لم يشبه شيء من وجوه الفساد، واختاروا إنما إيماء إلى أنّ ذلك مكشوف لا سترة عليه، ولا ينبغي أن يشك فيه، واحتمال القلب الذي ذهب إليه بعض شراح الكشاف لأن المسلمين لما وصفوهم بالإفساد فقط دون الإصلاح خصوا أنفسهم بعكسه، وان صح خلاف الظاهر من كلام الشيخين.
وفي قوله ما دخله أي دخل عليه حذف، وايصال والمراد بما بعده الجزء الأخير، ولم يصرّح به استغناء بشهرته عن ذكره. قوله: (وإنما قالوا ذلك إلخ) قصر قولهم على ما ذكر ولم ينظر إلى غيره من الاحتمالات ككوز " كذبا محضا من غير تأويل لخوفهم من المؤمنين، لأنّ العاقل " إذا كان له مخلص من الكذب بزعمه يقصده لدفع ضرر الخصم، بما يفيده ظاهر الكلام إذ الكذب يقبح عند المؤمن والكافر فلا يرتكب بغير ضرورة ولا يرتضي تعمده بغير تأويل خصوصاً إذا كان بحيث يسبق إليه بغير تصنع وذلك لما أفاده بقوله لما في قلوبهم إلخ أو كونه مخادعة، كما قيل لأنه لا يناسب قوله ﴿وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ﴾ وهذا اً حد احتمالات ذكرها الإمام، واختار. المصنف رحمه الله لأنه أظهرها وأتمها، وزاد الإمام أنه إن فسر لا تفسدوا بمداراة الكفار كان معنى قوله مصلحون إنّ هذه المداراة سعي في الإصلاح بين المسلمين والكفار كقوله ﴿إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا﴾ [النساء: ٦٢] وأيده بعضهم بأنه الوارد عن ابن عباس رضي الله عنهما فقد أخرج عنه ابن جرير أنه قال في تفسيره إنما يريد الإصلاج بين الفريقين من المؤمنين وأهل الكتاب والمصنف رحمه الله لم يلتفت إليه مع اعتنائه باً لتفسير المأثور لأنه غير مناسب للواقع، والسياق والسباق مع إرجاعه إلى صورة الصلاح التي ذكرها. قوله: (رذ لما اذعوه أبلغ رذ إلخ الما بولغ في كونهم مصلحين بولغ في رذه، وتقرير ضدّه من
جهات، كالاستئناف البياني، فإنه يقصد به زيادة تمكن الحكم في ذهن السامع لوروده عليه بعد السؤال والطلب، وما فيه من كلمتي ألا وأنّ من تأكيد الحكم وتحقيفه، وفي قوله ﴿لاَ يَشْعُرُونَ﴾ من الدلالة على أنّ كونهم مفسدين قد ظهر ظهور المحسوس بالمشاعر، وان لم يدركوه ووجه إفادة ألا وأما أختها ذلك بناء على تركبها من همزة الإستفهام الإنكاري الذي هو نفي معنى، ولا النافية فهي نفي نفي يفيد الإثبات بطريق برهاني أبلغ من غيره، وارتضى كثير من النحاة أنها بسيطة غير مركبة، وارتضاه أبو حيان رحمه الله وأبطل مقابله بدخولها على أنّ المشددة، ولا النافية لا تدخل عليها، فبين تركبها وتلقيها بما يتلقى به القسم منافاة ظاهرة، وردّ بأنها بعد التركيب انتسخ حكمها الأصلي، واستدلوا على إفادتها التحقيق بتلقيها بما يتلقى به القسم أي وقوع فا! يضدر به جواب القسم بعدما- كأنّ واللام وحرفي النفي، وردّه أبو حيان رحمه الله بأنها قد دخلت على رب وحبذا ويا الندائية كقوله:
ألا رب يوم صالح لك منهما
وقوله:
ألا حبذا هند وأرض بها هند
وقوله:
ألا يا قيس والضحاك سيرا
فقوله لا تكاد إلخ غير صحيح وهو وارد عليه وعلى من تلقاه بالقبول، كصاحب المغني والمصنف وادّعاء العلة فيه لا يصلح بسلامة الأمير وقوله ألا المنبهة بدل من حرفي التأكيد، أو بتقديرهما أو أعني. وقوله: (وإن إلخ) عطف عليه، وتعريف الخبر عطف على قوله للإستئناف. قوله: (وأختها أما إلخ) أي أما المفتوحة الهمزة المخففة الميم حرف استفتاح مثلها في إفادة التحقيق لا في جمبع ما ذكره، كما أشار إليه بقوله التي هي من طلائع القسم، لأنّ معناه تدخل على القسم كثيراً، وهذا مما فارقت به ألا أما قال في التسهيل وشرحه كثر ألا قبل النداء كقوله ألا يا اسجدوا، وأما قبل القسم، كقول إبن صخر الهذلي:
أما والذي أبكى وأضحك والذي أمات وأحيا والذي أمره الأمر
قال العلامة التفتازانيّ جوابه:
لقد تركتني أحسد الوحش إن أرى أليفين منها لا يروعهما الذعر
وفي بعض تصانيف ابن هشام ما يخالفه، فإنه أنشد الشعر هكذا:


الصفحة التالية
Icon