قدم كذا للأهمية من غير بيان وجه الاهتمام كما صرح به الشيخ عبد القاهر، فالظاهر أن يقول لأنه أدل على الاختصاص ولا يجوز أن يكون عطفاً تفسيريا لأنه لا يحسن تفسير الشيء بما يوجبه، وكلام المصنف رحمه أدلّه صريح في خلافه أيضا فسقط ما قيل من أنّ الردّ على المشركين المبتدئين بأسماء الأصنام منوط على الاختصاص المستفاد من التقديم وقيل عليه إنه من فوائد الاختصاص المذكور، فلا وجه لجعله من نكات التقديم نعم لو قلنا إن المشركين يبتدؤن أفعالهم بذكر آلهتهم الباطلة، فالمنأنسب لنا الابتداء بذكره سبحانه لكان وجها انتهى.
وقد عرفت مما قدمناه ما يغنيك عنه ومن الناس من جعل أدل وما بعده معطوفا على
أوتع، وقال: لما كان دليل الوسطين معلوما، ودليل الطرفين غير معلوم تعرّض للأوّل بقوله لأنه أهم وللرابع بقوله فإنّ اسمه الخ واكتفى بذلك لأنّ دليلهما دليل الوسط بعينه، وقول عبد القاهر، إنهم لم يعتمدوا في التقديم شيأ يجري مجرى الأصل غير العناية والاهتمام، ونقله عن سيبويه ليس لإبطال إفادته الحصر كما توهمه ابن الحاجب وأبو حيان بل إشارة إلى أنّ العناية أمر كلي مجملى لا بد له من وجه كالتعظيم والاختصاص، ولذا قيل إن قوله وأدل الخ بيان وتفصيل للأهم لكنه كان الأظهر أن يقول لأنه أدل، واعتذر له بأنه إشارة إلى تمييز الأهمية الناشئة من ذاته عن غيرها، وحذف متعلق اسم التفضيل لمعلوميته والقصد لأهميته أي أهم من غيره كالعامل، وقيل: إنه مجرّد عن التفضيل مؤوّل باسم الفاعل أو الصفة المشبهة. قوله:
(وأدل على الاختصاص) أمّا الاختصاص فلابتداء المشركين بأسماء آلهتهم استعانة وتبركا فقطع الموحد عرق الشرك باختصاصه ردّاً عليهم وقوله أدل يستدعي وجود أصل الدلالة بدون التقديم ووجه بأنّ التخصيص بالذكر قد يفيد الحصر بمعونة السياق وتعليق الحكم بالأوصاف يشعر بالعلية وانتفاء العلة يستلزم انتفاء المعلول في المقام الخطابي إذا لم تطهر علة أخرى فيفيد الاختصاص أيضاً، فكأنه قيل باسمه أقرا لأنه الرحمن الرحيم لا سيما عند القائل بمفهوم الصفة لإشعاره بأنّ من لم يتصف بها لا يتبرك باسمه وقيل: الظاهر أنّ المراد بالاختصاص مطلق التعلق لا الحصر، فيكون التقديم المفيد للحصر دلالته أظهر على اختصاص القراءة باسم الله وتكلفه غني عن البيان، ثم إنّ هذا القصر كما قالوه قصر إفراد لأنهم لا ينكرون التبرك باسم الله تعالى، فإن قلت: المعروف في قصر الإفراد أنّ المخاطب بالكلام الواقع فيه يعتقد أن المتكلم مشرك لصفتين، أو أكثر في موصوف واحد، أو لموصوفين فأكثر في صفة واحدة، والمخاطب بقصر القلب يعتقد أن المتكلم بعكس الحكم، وما نحن فيه ليس كذلك كما لا يخفى قلت: هذا مما اعترف بوروده بعض الفضلاء وفي شرج الفاضل المحقق ما يشير إلى الجواب عنه بأنه غير لازم، وإن ترك القوم بيانه في كتبهم، والشارج المحقق جعل قصره قصر إفراد وتبعه فيه السيد السند ولم يجزم به لاحتمال كونه قصر قلب لأنّ ابتداءهم بأسماء آلهتهم لما كثر وقوعه منهم على الإنفراد قلبه الموحد، ثم إنّ اعتبار مخاطب لكل موحد غير من خاطبه في غاية التكلف وتوجيه السعد رحمه الله له بأن المشركين لما كانوا يبتدؤن بأسماء آلهتهم كان مظنة أن يتوهم المخاطب أن سائر الناس كذلك تعسف بعيد، وقال قدس سره: التقديم من المشركين لمجرّد الاهتمام لا للإختصاص، فوجب على الموحد أن يقصد قطع شركة الأصنام لئلا يتوهم تجويز الابتداء بأسمائها، وكتب في حواشيه أنه لردّ السؤال السابق وهذا القدر كاف في قصر الأفراد إذ لا يجب أن يكون معتقداً للشركة بل ربما كان متوهما وهنا مظنة توهم الشركة، وأورد عليه أنه ادّعاء منه مخالف لما صرح به أهل المعاني إلا أن يقال أنه ليس قصر أفراد على الحقيقة بل على التشبيه، وتنزيله منزلته.
(وأنا أقول) : ليت شعري ما الداعي لما ارتكبوه من التكلفات مع إمكان جعله قصرآ حقيقيا ولو ادّعائيا حتى لا يحتاج فيه إلى مخاطب ولا إلى اعتقاده فمرد الموحد التبرك في أفعاله باسم الله لا اسم غيره وهو يتضمن الردّ على المشركين فإياك من الوقوف في حضيض التقليد إذأ أمكنك الصعود لقصر التحقيق المشيد، وأمّا توهم التنافي بين قوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ وبين الاستعانة باسمه في البسملة الكريمة بناء على أنّ الباء للاستعانة فما لا ينبغي أن يذكر وان تكلف له بعض المتأخرين بأنه هنا استعانة توسل، والمنفي ثمة استعانة تحصل المستعان فيه، ثم إنه قال


الصفحة التالية
Icon