في الكشاف: فوجب على الموحد أن يقصد معنى اختصاص اسم الله بالابتداء، وذلك بتقديمه، فأورد عليه أنه لا يناسب ما هو بصدده من ترجيح تقدير أقرأ مؤخرأ ولذا قيل
إنّ المصنف حذفه لذلك وان وجه بأنه إشارة إلى جواز تقدير ابتدىء أيضا، وبأنه أراد ابتداء الفعل الذي شرع فيه كالقراءة لا مفهومه الحقيقي وقد قيل إنه إيماء إلى دفع مناقشة أخرى وهي كيف يكون قصر الموحد ابتداء قراءته، ونحوها باسمه تعالى ردا على المشرك الذي لا يقرأ أبدا وانما يصير ردّاً عليه لو حصر مطلق الابتداء، وقد مرّ أنه يكفي فيه التوهم فيذكره ثم إنه أورد على قول الزمخشري وغيره أنّ تقديم الفعل في قوله: (اقرأ باسم ربك) أوقع لأنها أوّل ما نزل، فالأمر بالقراءة فيه أهم كما مر أنّ هذا العارض وان كان يقتضي أن يكون الأمر بالقراءة أهم إلا أنّ العارض الأوّل وهو ابتداء المشركين باسماء اكهتهم يقتضي أن يكون اسم الله تعالى أهم، فأنى يرجح هذا على ذاك وكان السكاكي نظر إلى هذا حيث جعله متعلقاً باقرأ الثاني، ويمكن أن يقال لما تعارض العارضان قدّم العامل على المعمول بحكم الأصالة انتهى.
(قلت) : الظاهر أنّ المراد أنه نازل أوّلاً على النبيّ الأميّ ﷺ فأمر فيه بالقراءة ليتدرّب
لتلقي الوحي من غير قصد إلى أمره بتبليغ ولا إنذار حنى يقصد فيه الردّ على من خالفه ولذا قال صلى الله عليه وسلم: ما أنا بقارىء) ١ (فلا حاجة إلى ما ادّعاه مما لا يقتضيه المقام ولا فحوى الكلام فتدبر. قوله: (وأدخل في التعظيم الخ) من قولهم هو حسن الدخلة، والمدخل أي المذهب في أموره من دخل بمعنى جاز، والمعنى أنّ دلالة وتسببا في تعظيمه، وأتى بأفعل لأنّ الابتداء به والتبرك فيه تعظيم له فإذا قدم على متعلقه المقدر كان أقوى في ذلك وقيل في تعظيم الاسم تعظيم المسمى. وقوله: (وأوفق للوجود من وفق أمره) أي وجد موافقا أو حسن كما في شرح أدب الكاتب لا من وافقه حتى يكون على خلاف القياس، والمراد بكونه أكثر موافقة للوجود أي لما في الخارج أو نفس الأمر أنّ اسمه تعالى مقدم على القراءة والمقروء، فتقديمه على عامله المقدر أوفق من تأخيره تقديرا، وقيل: لأنّ ذات واجب الوجود قبل كل موجود واسم السابق سابق فتدبر فإن قوله إن اسمه تعالى مقدّم على القراءة يأباه، ثم إنه أيد ذلك بوجه يدل على مغنى الباء ويدخل به لتفسيرها، وهو قوله كيف لا الخ ولفظة لا سقطت من بعفى النسخ فقدّرها بعضهم أي كيف لا يكون اسمه تعالى مقدما على القراءة، وقد تقدم عليها بالذات، ومن حيث الكمال والاعتداد بها شرعا لأنها جعلت آلة، وهي لا بد من تقدمها في الوجود. وقوله:) من حيث الخ) بيان لجعلها آلة على أنّ الباء للإستعانة والظرف لغو باعتبار أنّ الفعل لا يتم ويعتد به شرعا ما لم يصدر بالتسمية أي تجعل في أوّله لأنّ الصدر إستعير للأوّل اسنعارة مشهورة حتى صار كأنه حقيقة فيه فمعنى كونه ا-لة له توقفه عليه حتى كأنه فعل به، فلا يرد عليه أنّ مذهب الشافعية أنها من الفاتحة فلا يناسب جعلها للآلة المغايرة لما يستعان بها فيه ولا أنّ الآلية تقتضي الامتهان فلا يلائم التعظيم والآلة هي الواسطة بين الفاعل ومنفعله في وصول الأثر
إليه وقوله ما لم يصدر أي جميع أوقات عدم التصدير فتدبر. قوله: (لقوله عليه الصلاة والسلام كل أمر الخ) الأبتر هو الناقص الآخر والمقطوع الذنب ولذا قيل لمن لا عقب له أبتر واستدل بالحديث على ترجيح الآلة لدلالته على عدم التمام بدونها التزاما بخلاف المصاحبة فإنها لا دلالة لها على ذلك فلا توافق معنى الحديث وفي طبقات السبكي رحمه الله روى ابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال: " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله فهو، دطع " (٢) ورواه البغوي بحمد الله والكل بلفظ " أ-دطع) وعن ابن شهاب " أجذم " وأدخل الفاء في الخبر وليس في أكثر الروايات، وقد يروى " كل كلام " وجاء موضع أقطع أجذم وأبتر، وجاء الجمع بينهما، وجاء موضع يبدأ يفتتح، وموضع الحمد الذكر، ويروى أيضا ببسم الله الرحمن الرحيم، وقد وقع الاضطراب في هذا الحديث سنداً ومتناً، ثم قال: والحمل على الذكر الأعم أولى لأنّ المطلق إذا قيد بقيدين متنافيين لم يحمل على واحد منهما ويردّ إلى أصل الإطلاق، ثم إنّ الحديث في فضائل الأعمال فيغتفر فيه ذلك لا سيما وقد تقوّى بالمتابعة معنى إلى آخر ما فصله، فقول ابن حجر رحمه الله: إنا لم نجده بهذا اللفظ، فكأنه رواية بالمعنى
وقريب منه


الصفحة التالية
Icon