ما في الكشف لا يلتفت إليه، فإنّ من حفظ حجة على من لم يحفظ، وفي لفظ أبتر مبالغة في نقصانه حتى كأنه سرى لآخره وقيل فيه ترك للمبالغة فإنّ الحيوان المقطوع الرأس منتف بالكلية لا المقطوع الآخر والبال الشأن والحال وأمر ذو بال أي شريف عظيم يهتم به والبال القلب في الأصل كأنّ الأمر ملك قلب صاحبه لاشتغاله به، وقيل: شبه الأمر العظيم بذي قلب على الاستعارة المكنية والتخييلية، والوصف به تقييدي لتعظيم اسمه تعالى حيث ابتدىء به في الأمور المعتد بها دون غيرها، وللتيسير على الناس في محقرات الأمور، والتصدير عرفي أو شامل للحقيقي، والإضافي فلا تعارض بين الروايات، وشهرته تغني عن ذكره. قوله: (وقيل الباء للمصاحبة) اختار كونها للاستعانة مخالفا للزمخشريّ في ترجيح المصاحبة لأنها أعرب وأحسن.
قال قدس سره: أمّا أنها أعرب أي أدخل في لغة العرب أو أفصح أو أبين فلأن باء المصاحبة والملابسة أكثر في الاستعمال من باء الاستعانة لا سيما في المعاني وما يجري مجراها من الأفعال وأمّا أنها أحسن أي أوفق لمقتضى المقام، فإن التبرك باسم الله تعالى تأدّب معه وتعظيم له بخلاف جعله آلة فإنها مبتذلة غير مقصودة بذاتها، ولأنّ ابتداء المشركين بأسماء آلهتهم كان على وجه التبرك فينبغي أن يردّ عليهم في ذلك ولأن الباء إذا حملت على المصاحبة كانت أدل على ملابسة جميع أجزاء الفعل لاسم الله منها إذا جعلت داخلة على الآلة، ولأنّ التبرك باسم الله معنى ظاهر يفهمه كل أحد ممن يبتدىء به والتأويل المذكور في كونه آلة لا يهتدى إليه إلا بنظر دقيق، ولأنّ كون اسم الله تعالى آلة للفعل ليس إلا باعتبار أنه متوسل إليه ببركته فقد رجع بالآخرة إلى معنى التبرك، وقد أيد الوجه الأوّل بأنّ جعله آلة يشعر بأن له زيادة مدخل في الفعل ويشتمل على جعل الموجود لفوات كما له بمنزلة المعدوم ومثله يعد من محسنات الكلام انتهى، وقد أيد الثاني أيضا بأن جعل اسمه آلة لقراءة الفاتحة لا يتأتي على مذهب من يقول بأنّ البسملة من السورة، ومنهم المصنف رحمه الله فاللائق جعل الباء للمصاحبة ومما يستأنس به للمصاحبة كما ذكره البلقيني في تفسيره ما روى في السنن عنه عليه الصلاة والسلام من قوله: " باسم الله الذي لا يضرّ مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ") ١ (. فإنّ قوله مع اسمه صريح في إرادة المصاحبة.
(أقول) : كل ما ذكر أمور اقناعية غير مسلمة ولذا كرّ عليها بالإبطال في الحواشي ٠
فقيل: على الأول: إثبات الأكثرية دونها خرط القتاد وباء الاستعانة تدخل كثيراً على المعاني كما في قوله:) اسنعينوا بالصبر والصلاة (اسورة البقرة: ١٥٣] وإنما نشأ هذا التوهم من تمثيلهم في الآلة بالمحسوسات، وليس كل استعانة بآلة ممتهنة ولا شك في صحة
استعنت بالله، وقد ورد في لسان الشرع وهو إذن في إطلاقه، فلا يقال إنه موهم للنقصى فلا يصح هنا وقد يقال إنّ اكثرية علمت بنقل الثقات وقد قال سيبويه رحمه الله تعالى أصل معاني الباء الإلصاق وجميع معانيها ترجع له وهو إن لم يكن عين المصاحبة فليس ببعيد منها فتأمله. وأمّا الثاني: وهو أنّ التبرك باسم الله تعالى تأذب الخ فردّ بأنّ جهة الابتذال غير ملحوظة
هنا بل الملحوظ كون الفعل غير معتد به شرعا ما لم يصدر باسمه تعالى كما مرّ وهو يعارض التبرك بل أرجح منه، وفي الانتصاف أنّ معناها اعتراف العبد في أوّل فعله بأنه جار على يديه وأنّ وجود فعله بقدرة الله وايجاده لا بفعله تسليما لله من أوّل الأمر والزمخشرفي لا يستطيع هذا لنزعات الشيطان الاعتزالية، وليت شعري ما يصنع بقوله: ﴿وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ إذ المراد أنه لا يطلب المعونة إلا من الله والتوفيق على عبادته في جميع أحواله ولا يلزم من كون الله معينا ما تصوّر في القلم كأنه يقول اقرأ باستظهاره ومكانته عند مسماه، وفي الحقيقة هو المعين في كل جزء كما قاله الطيبي رحمه الله ولا يتوهم اتحاد المستعان والمستعان به، أو عدم الفرق بينهما كما قيل، وقيل عليه: إنه تعصب لأنه يريد أنّ في التبرك تعظيما وتكريما ليس في الآلة وان لم يدل على التحقير واللفظ الدال على التعظيم في حقه تعالى أولى من غيره مما لا يدل عليه أو يوهم خلافه، وإن كان معناه صحيحاً ثابتاً له ألا ترى أنه لا يقال خالق الخنازير وان كان خالق كل شيء، ولك أن تقول التبرك ليس معنى الباء كما سيأتي، وما ذكر إنما هو فيما يدل على الآلة وضحعا بالمادّة، كلفظ ا-لة أو بالهيئة كمفتاح، فإنه لا يطلق عليه تعالى، ولذا استقبح ابن رشيق في العمدة


الصفحة التالية
Icon