على معنى أني لا أبدأ إلا متبركا بل حصر التبرك
في اسمه تعالى لأنّ دخول الحصر على مقيد كدخول النفي في وجوهه. قوله: (والمعنى متبركاً الخ) هو بيان للمعنى على الثاني لأن المصاحبة وإن كان معناها مجرّد لملابسة لكنها بمعونة قرائن المقام محمولة على الملابسة بطريق التبرك، ولا يصح رجوعه إليهما بناء على أنّ كونه اسم اكة ليس إلا باعتبار التوسل ببركتة فيرجع بالآخرة إلى هذا كما يعلم من الكشاف وشروحه: وليس المراد أنّ الباء صلة التبرك كما توهم بل هو تصوير للمعنى، وبيان للملابسة فإنها تكون على وجوه شتى فلا يرد أنّ التبرك لم يعد من معاني الباء أصلاً، وما قيل من أنّ الباء موضوعة لجزئيات الملابسة، ومنها التبرك فحملت على بعض معانيها بقرينة المقام بشيء لأنه لا يلزم من ٦لصاف بعض جزئياتها بالتبرك كون التبرك موضوعا له لأنه وضع لذوات الجزئيات لا لصفاتها كما لا يخفى، ثم إنّ الشارح المحقق قال في شرح قول الزمخشري هنا على معنى متبركا يعني أنّ التقدير ملتبساً باسم الله ليكون المقدر من الأفعال العامة لكن المعنى بحسب القرينة على هذا، فلهذا يجعل الظرف مستقراً إلا لغواً انتهى.
فقيل عليه: إنه مبنيّ على أنّ المقدر في الظرف المستقرّ عام البتة وان كان المعنى على الخصوص، فيناقض ما سبق مته من أنّ النحويين إنما يقدرون متعلق الظرف المستقرّ عاما إذا لم توجد قرينة الخصوص، ودفع بأنه لا مناقضة لأنّ العموم الذي نفى لزومه في متعلق الظرف المستقرّ هو العموم المطلق البالغ الغاية، كما أنّ الكون والحصول الذي دل كلامه هنا على لزومه هو العموم بالإضافة إلى متبركاً ونور، بأنّ هذا القسم من الظروف سمي مستقرّاً لاستقرار معنى المتعلق فيه وانفهامه منه وكل ظرف يفهم مته حصول شيء ما فيه، فبعضها ما لا يفهم منه إلا ذلك كزيد في الدار وبعضها يفهم مته خصوصيته بوجه كزيد على الفرس، وفيما نحن فيه ليس للظرف نفسه دلالة على التبرك فلو قدر متعلقه متبركا خرج عن كونه مستقرّاً بخلاف ما إذا قدّر ملتبساً مع أنّ فيه أيضاً خصوصية بالنسبة إلى كائن وحاصل، فإنه لا يخرج عن كونه مستقرّ الانفهام معنى ملتبساً منه، ويدل عليه جعله ملتبساً من الأفعال العامة انتهى ولا يخفى أنّ هذا وإن حصل به التوفيق بين كلاميه إلا أنه معنى معقد من غير فائدة ولذا اعترف بعض الفضلاء بأنه واود غير مندفع فتدبر. قوله: (وهذا وما بعده الخ) هذا راجع إلى الوجهين السابقين كما نبه عليه كثير من أصحاب الحواشي وهو الأظهر، فإن خص بالثاني لذكر التبرك ونحوه على أنه من مقول قيل، فالوجه الأول يعلم أمره بالمقايسة على الثاني إلا أنّ بيان متعلقات ما مرّضه وترك ما اختاره بعيد، وهذا جواب سؤال نشأ مما مرّ، فإنه بحسب الظاهر لا يليق بجناب العزة أن يقول أقرأ متبركا وكذا الاستعانة ونحوها، والتبرك مفهوم من البسملة لأن الاستعانة لا تخلو عنه أيضاً
والحمد من قوله الحمد لله وكونه على نعمه من قوله رب العالمين الرحمن الرحيم لا لأن الحمد في مقابلة النعمة والسؤال من فضله من قوله: ﴿اهْدِنَا﴾ الخ ويعلم منه أيضاً بقية ما فيها، فلا يرد عليه أنه لم يتعرّض لقوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ حتى يتكلف ادخاله فيما ذكر. قوله: ﴿لِيَعْلَمُواْ﴾ الظاهر أنه بالتخفيف من العلم، ويجوز أن يكون من التعليم ونقل الطيبيّ رحمه الله تعالى عن الزمخشرفي أنه قال: مثاله إذا أمرك إنسان أن تكتب رسالة من جهته إلى غيره فإنك تكتب كتبت هذه الاً حرف، وانما تفعله على لسان آمرك، وليس فيه قل مقدرة كما يتوهم إذ المراد أنه تعالى حمد نفسه ليقتدى به ومدح النفس، وان استقبح من العباد يحسن منه تعالى كما قيل: ويقبح من سواك الشيء عندي وتفعله فيحسن منه ذاكا
مع أنه ليس كذلك مطلقا ولذا قال يوسف عليه الصلاة السلام: ﴿اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾ [يوسف: ٥٥] وقال البلقيني رحمه الله: إنّ جعله مقولاً على آلسنة العباد نزغة اعتزالية لم يتنبه لها من اتبعه، فقيل: إنه باطل وقيل: وجهه أنّ المعتزلة يقولون أنه يكلم الله خلقه الكلام على لسان غيره فتدبر، وقوله في الكشاف هنا: فكيف قال الله متبركا باسم الله الخ وهي ليست من السورة عنده ظاهر لمن له أذن واعية. قوله: (كيف يتبرك الخ) يتبرك بصيغة المجهول أي يتبرك العباد، ومعنى كيف يتبرك كما قاله الشريف بأي عبارة يتبركون فلا يرد أنّ ما ذكر تعليم للتبرك باسمه لا لكيفية التبرك به انتهى.
يعني أنّ الإستفهام هنا حقيقي


الصفحة التالية
Icon