وهو عن التبرك، فإنه إنما يكون في كلام العبد لا في كلام
الله تعالى، فكيف استفهم عن كيفيته دونه، فأشار إلى أنّ المراد بالكيفية العبارة المخصوصة لأنها لباسه الذي يبرز فيه، فكأنها كيفية وحالة، فما قيل من أنه استفهام إنكارفي استعيرت صيغته للاستبعاد لأنّ الإنكار مجاز مشهور، وتعلق الإستفهام سواء كان إنكارا أو استبعادا بمدخول كيف واقحامه للمبالغة بطريق الكناية عن انتفاء الشيء بانتفاء كيفيته إذ لا بد لكل ماله خطر- من الوقوع على كيفية مّا على ما حقق في تفسير قوله تعالى: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٨] ومن لم يتنبه لهذا اعترض بأنه تعليم للتبرك لا لكيفيته، كما سمعته آنفا ليس بشيء لأنه استفهام حقيقيّ لا إنكاريّ حتى يحتاج لما ذكر، وكذا ما قيل من أنه ليس المراد بالكيفية العبارة بل أي كيفية متبرك بها من اعتبار تقديم المتعلق وتأخيره، والدلالة على الاختصاص وغيره، وفيه أنّ ذلك التقديم والتأخير في النص ليس بحسب اللفظ، فإن علم العباد ما يوجب اعتبار هذا التقديم والتأخير، فلا حاجة إلى تعليم تلك الكيفية، وان لم يعلموه لم يعلموا ذلك التقديم والتأخير، فكيف يكون فيه تعليم لهم، فإنه تعسف من غير داع له، وقريب مته ما قيل: من أنه لا خفاء في أنّ ما ذكره يشتمل على التبرك باسمه تعالى بملى وجه معين وكيفية مخصوصة، وبهذا الإعتبار يصح أن يقع جوابا للسؤال عن كيفية التبرك من غير احتياج لاعتبار العبارة، وصرفه للسؤال عنها وهذا غريب منه فإنه عين ما أفاده الشريف إلا أنه
كما قيل:
إذا محاسني اللاتي أدلّ بها كانت عيوبي فقل لي كيف أعتذر
ثم إنّ التبرك بتقديم اسمه لا ينافي تقدّم لفظ اسم إذ المراد منه بعد الإضافة اسمه تعالى
إذ الإضافة إن كانت لمطلق الاختصاص شمل أسماء الذات والصفات فيفيد التبرك بجميع أسمائه، ويعلم منه وجه إقحامه ورجحه بعضهم، وإن كانت للاختصاص الوضعي الكامل يختص بلفظ الله لأنه اسم وضع للذات، وما عداه أسماء صفات وأما الباء فهي وسيلة إلى ذكره على وجه يؤدّي إلى جعله مبدأ للفعل فهي تتمة لذكره على الوجه المطلوب. قوله: (وإنما كسرت الخ) أي حروف المعاني الموضوعة على حرف واحد، وحروف المعاني ما يقابل الأسماء والأفعال، وحروف المباني ما تركب وبني منه الكلم، ولما كان البناء لا يختلف بتعاقب العوامل كان أصله السكون لخفته، فإنّ الدائم بالخفيف أولى، وأيضا أصل الإعراب أن يكون وجوديا لكونه أثر العامل وعلما للمعاني، فحق مقابله أن يكون عدميا، وقد امتنع البناء على السكون في الحروف التي جاءت على حرف واحد لأنها من حيث كونها كلمة برأسها مظنة للابتداء بها، وقد رفضوا الابتداء بالساكن لتعذره أو تعسر. كما سيأتي بيانه فحقها أن تبني على الفتحة التي هي أخت السكون في الخفة، وان كانت الكسرة أختا له في المخرج لأنها اً دوات كثيرة الدور على الألسنة فاستحقت الأخف كما قاله الشارح المحقق، وبقوله كثيرة الدور الخ اندفع عنه ما قيل من أنه معارض بأنّ الكسر يناسب العدم بقلته، والساكن إذا حرك حرك بالكسر إلا أنه قيل عليه أن لا مخرج للسكون يوأخى فيه فقيل: إن أراد أنّ السكون ليس له مخرج، ومخرج الكسرة لضعفه قريب من العدم مناسب له أو المراد أنّ مخرج الحرف الساكن يناسب مخرج الحرف المكسور، ولا يخفى عليك ضعف الجواب الأوّل وفساد الثاني ولو قيل: المخرج في كلامه مصدر ميمي بمعنى الخروج لا المخرح المعروف يعني أنّ الأصل في الخروج من السكون والتخلص منه أن يكون بالكسر كما صرح به النحاة لم يبعد فتدبر. قوله: (لاختصاصها بلزوم الحرفية الخ) في الكشاف لكونها لازمة للحرفية والجر والمصنف رحمه الله عدل عنه لما ذكره فزاد الاختصاص وغير لازمة بلزوم الخ كما رأيته ومناسبة الحرفية للكسر لأنّ الأصل فيها البناء وأصله السكون الذي هو عدم الحركة والكسر قليل، والقلة أخت العدم، وأما الجرّ فلمناسبته لعمله وأثره، وقد اقتصر بعضهم على الثاني قيل: وهو الأظهر.
وقد اعترض على ما في الكشاف بأنها ليست لازمة لهما بل ملزومة فالصواب أن يقال ملزومة للحرفية والجر، ولذلك غير المصنف رحمه الله عبارته لأنّ اللزوم مصدر مضاف لفاعله، فالحرفية والجر لازم لا ملزوم، ومن لم يتنبه له أوّل عبارته أيضاً بناء على أنه مضاف إلى


الصفحة التالية
Icon