الموافق لما نمى عليه الشيخ في كتاب الصفات من أنّ الاسم هو الصفة، فما ذكروه مردود لأنه ناشىء من عدم الإطلاع، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، وبقي هنا أمور كثيرة قصر مسافتها أليق بالرأي السديد ثم إنّ السبكي رحمه الله قال في كتاب القواعد: إنهم بنوا على هذه المسألة فروعا فقهية منها ما إذا قال اسملث طالق هل يقع به الطلاق أم لا. ومنها ما لو قال باسم الله لأفعلن كذا هل يكون يميناً أم لا، ومنه عرفت نكتة في تعقيب المصنف رحمه الله تعالى لهذه المسألة بما بعدها وهو. قوله: (وإنما قال بسم الله الخ) قيل إنه محتمل لوجهين:
أحدهما: أن يراد لم يبدا باسم خاص من أسمائه تعالى، وبدأ بما يدلّ عليها اجمالاً.
والثاني: أنه لم يتبرك بذاته تعالى بل تبرّك باسمه، وفيه أنّ قوله لأن التبرّك الخ يعين الثاني، وعلل بأنه الذي يتلبس به الفاعل ويأتي به دون الذات لتنزهها عن أن يتلبس بها أحد ويأتي بها، وقيل عليه، إنّ التلبس بالذات من حيث هي هي غير ممكن لكنه من حيث الاستحضار بالذكر ممكن، وردّ بأنّ مرجعه أيضا إلى الإتيان بالاسم، وهو أولى بالاعتبار، وظواهر النصوص دالة على أنّ الابتدأء بالاسم، وأمّا الاستعانة بالذات المقدس نحو بك استعين، فأكثر من أن تحصر وحقيقة الاستعانة كما مرج التوسل بمد خولها لتشريف المشروع فيه والاعتداد بشأنه، ولو كان فيه ترك أدب لم ينسب للاسم أيضا غايته أنه احترز عن إطلاق لفظ الآلة وتخلص منه بأنّ الشرع عين الاسم لذلك فاتغ، وتعين الاسم له ليس بصحيح ألا ترى قوله تعالى: ﴿اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُواْ﴾ [الأعراف: ١٢٨] وانما جاءهم هذا من عدم الفرق بين الاستعانة والآلية، وإنما يقتضيان الابتذال وهو غلط نشأ من التمثيل بكتبت بالقلم، والصواب أنّ الاستعانة طلب العون، وهي تتعدى بنفسها كما في ﴿وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ وبالباء كما في اسنعينوا بالله، والاستعانة تسند إلى الله تعالى حقيقة، فيقال أعانني الله، وهو خير معين وسيأني تحقيقه في قوله: و ﴿إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ فاحفظه فإنه معين على ما مرّ، وفي قوله لأنّ التبرّك الخ لف ونشر غير مرتب لأن التبرّك بناء لى أن الباء للمصاحبة والاستعانة على الوجه الأوّل وقدم المصاحبة وان كانت مرجوحة عنده لأنها أظهر فلا يقال كان الظاهر العكس،
وبين اليمين والتيمن تجنيس، والتيمن تفعل من اليمن بالضم وهو البركة، وهو من اليمن لأنّ العرب تنسب الخير إلى اليمين والشرّ إلى الشمال، وبه فسر قوله تعالى: ﴿تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ﴾ [الصافات: ٢٨] أي تصدوننا عن فعل الخير، وقال قدس سرّه: لفظ ذكر في قوله بذكر اسمه للتصريح بالمراد، فإنّ تصدير الفعل باسم الله إنما يقع بذكره، ويقع على وجهين. أحدهما: أن يذكر اسم خاص من أسمائه تعالى كلفظ الله مثلاً.
والثاني: أن يذكر لفظ دالّ على اسمه كما في التسمية، فإنّ لفظ اسم مضاف إلى الله يراد
به اسمه تعالى، فقد ذكر هنا اسم لا بخصوصه بل بلفظ دال عليه مطلقاً فيستفاد أنّ التبرّك والاستعانة بجميع أسمائه والباء وسيلة لذكره على وجه يؤذن بجعله مبدأ للفعل، فهو من تتمته فبطل توهم أنّ الابتداء بالتسمية ليس ابتداء باسم الله، ثم قال: إن فائدة لفظ اسم تعميم التبرّك بأسمائه وتمييز التيمن عن اليمين فإنّ التيمن إنما يكون باسمه لا بذاته واسمه آلة لا ذاته واليمين إنما يكون به لا بأسمائه التي هي ألفاظ انتهى.
وأورد عليه أمور منها أق بعض الأسماء لم يعهد فيها ذلك كالقهار والمذل والمتكبر ويدفعه أنه لا يلزم من التبرّك ونحوه بجميع أسمائه جملة أن يتأتى أو يحسن ذلك بها فرداً فرداً، ويدلّ عليه أنّ الأوّل واقع دون الثاني، فإنه ورد في الحديث: " أسألك بكل اسم هو لك أظهرت عليه أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك " (١ (وهو ظاهر ومنها أنّ اليمين أيضا باسمه تعالى لا بذاته كما في عامة كتب الفقه، وفي الهداية اليمين باسم الله، وقال الشرّاح: أي بهذا الاسم أو باسم آخر كالرحمن أو بصفة، من صفاته كالعزة والكبرياء وقد صرّحوا بأنّ الكفارة شرعت لدفع هتك حرمة اسم الله وهو شاهد لأنّ اليمين باسمه لا بذاته، فلا يتم الفرق المذكور وفيه ما فيه، وأيضا لفظ باسم الله يمين إذ نوى به اليمين وفي رواية ابن رستم عن محمد رحمه الله أنه يمين وأن لم ينو فلا يتم ما ذكر وهو قول للشافعيّ أيضاً رحمه الله بهما في قواعد السبكي، فلا يتوهم أنه غير وارد على المصنف رحمه الله لأنه ليس من مذهبه، وبقوله واسمه آلة لا ذاته على ما بيناه لك يسقط ما قيل من أنّ التبرّك، وان سلم أنه لا يكون


الصفحة التالية
Icon