ولأن الأحسن المطابق لقوله قبله: لا تعدلوا أن يكون بمعنى لا تجوروا، وردّ. في الكشاف بأنه من قولك عال الرجل عياله يعولهم كقولهم مانهم يمونهم إذا أنفق عليهم لأن من كثرت عيأله لزمه أن يعولهم وفي ذلك ما تصعب عليه المحافظة على حدود الشرع وكسب الحلال، ومثله أعلى كعباً وأطول باعا في كلام العرب أن يخفى عليه مثل هذا فسلك في تفسيره طريق الكناية فاستعمل الإنفاق وأراد لازم معناه، وهو كثرة العيال، وذكر في الكشف أنه لا حاجة إلى هذا فإنّ الكساتي رحمه الله نقل عن فصحاء العرب عال يعول إذا كثر عياله وممن نقله الأصمعي والأزهري، وهذا التفسير منقول عن زبد بن أسلم وهو من أجلة التابعين وقراءة طاوس مؤيدة له! لا وجه لتشنيع من شنع عليه جاهلا باللغات والآثار، وقد نقل الدوري إمام القراء أنها لغة حمير وأنشد:
وأنّ الموت يأخذكل حي بلا شك وان أمشي وعالا
أي وان كثرت ماشيته وعياله، وأمّا ما قيل إن عال بمعنى كثرت عياله يائيّ وبمعنى جار
واوي فليست التخطئة في استعمال عال بمعنى كثرة العيال بل في عدم الفرق بين الماذتين فرد أيضاً بحكاية ابن الأعرابي وغير. عال يعول بهذا المعنى، وعال يعيل بمعنى افتقر فعال له معان مال وجار وافتقر وكثرت عياله ومان وأنفق وأعجز يقال عالني الأمر أي أعجزني ومضارعه يعيل فهو من ذوات الواو والياء على اختلاف المعاني فان قلت عال بمعنى مان لا دلالة له على كثرة المؤنة حتى يكنى به عن كثرة العيال قلت قال الراغب: أصل معنى العول الثقل يقال عاله أي تحمل ثقل مؤنته، والثقل إنما يكون في كثيره لا في قليله فالمراد بلا تعولوا وبقوله ما نهم كثرة ذلك بقرينة المقام والسياق لأنه ليس المراد نفي المؤنة والعيال من أصله لأنه لو تزوّج واحدة كان عائلاَ، وعليه مؤنة فالكلام كالصريح فيه واستعمال أصل الفعل في الزيادة فيه غير عزيز فلا غبار عليه كما توهم. قوله: (ولعل المراد بالعيال الأرّواج الخ) أي على تفسيره تعولوا بتكثر عيالكم وعيال جمع عيل بتشديد الياء فإن كان ذلك إشارة إلى التقليل واختيار الواحدة فعدم كثرة الأزواج فيه ظاهر، وان كان للتسري فعدم كثرة الأزواح صادق على عدمهن بأن لا يكون لكم أزواج، ولا كثرة وان كان العيال بمعنى الأولاد فعلى الأول ظاهر فلذا أخره المصنف
رحمه الله وجعله مشبهاً به وعلى الثاني فلأنه مظنة قلة الأولاد إذ العادة على أن لا يتقيد المرء بمضاجعتهن ولا يأبى العزل عنهن، وهذا معنى قوله لجواز العزل الخ أي عادة فلا يرد عليه أنّ مذهب الشافعي جواز العزل عن الحرائر والإماء مع أنّ في بعض شروح الكشاف ما يدل على أنّ فيه خلافا عنده فلعل المصنف رحمه الله تعالى مال إلى المنع كما هو مذهب أبي حنيفة رحمه الله. قوله: (مهورهق الخ) يعني الصدقة كالصداق بمعنى المهر والقراءة بفتح الصاد وسكون الدال أصلها ضم الدال، فخفضت بالتسكين وضمهما باتباع الثاني لضم الأول كما يقال ظلمة وظلمة وهو المراد بالتثقيل وقوله: على التوحيد أي قرئ صدقتهن بضمتين مع الإفراد. قوله: (عطية الخ) أي النحلة حقيقتها في اللغة العطية بغير عوض!، فإن قلت كيف يكون بلا عوض، وهو في مقابلة البضع والتمتع به، قلت قالوا لما كان لها في الجماع مثل ما للزوج في اللذة أو أزيد وتزيد عليه بوجوب النفقة والكسوة كان المهر مجانا لمقابلة التمتع بتمتع أكثر منه، وقيل: إنّ الصداق كان في شرع من قبلنا للأولياء بدليل قوله تعالى: ﴿إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ﴾ [سورة القصص، الآية: ٢٧] الخ ثم نسخ فصار ذلك عطية اقتطعت لهت فسمي نحلة، ومن فسره بالفريضة نظر إلى أنّ هذه العطية فريضة، ونصبه على المصدر لملاقاته الفعل معنى كقعدت جلوساً، وقوله: أو منحولة أي معطاة منكم ومن فسره بالديانة أخذه من النحلة بمعنى الملة، ومولياتهم بفتح الميم وتشديد الياء أي من كن في ولايتهم.
ثنبيه: قال العلائي: في قواعده في الصداق عوضية عن البضع من وجه وهبة من وجه لحرمتها لكن المغلب أيهما فقيل المغلب الأوّل، وقيل الثاني ومأخذه الآية لأنّ النحلة العطية بلا عوض وحجة الثاني أنه يردّ بالعيب ولها حبس نفسها حتى تقبضه وأنه يثبت فيه الشفعة ويضمن لو تلف ورجح المصنف رحمه الله الأوّل لاقتضاء الوضع له فقدّمه، وفي قوله نظر إلى مفهوم الآية بحث لأنه قد يقال


الصفحة التالية
Icon