دفع لتوهم أنّ الحدّ لهن يزيد بالإحصان فسقط الاستدلال به على أنهن قبل الإحصان لا حد عليهن كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما وطاوس، وعلم من بيان حالهن حال العبيد بدلالة النص فلا وجه لما قيل إنه خلاف المعهود، لأنّ المعهود أن يدخل النساء تحت حكم الرجال بالتبعع! وكان وجهه إن دواعي الزنا فيهن أقوى وليس هذا تغليباً، وذكرا بطريق التبعية حتى يتجه ما قاله ووجه التخصيص لو كان ما ذكر لا يدل على حكم العبيد أنّ الكلام في تزوّج الإماء فهو بمقتضى الحال. قوله: (لمن خاف الوقوع في الزنا الخ) أي لغلبة شهوته، وقلة تقواه والتفسير الآخر قريب منه وعليهما فهو شرط آخر لجواز تزوّج الإماء كما هو مذهب الشافعي وهو عند أبي حنيفة ليس بشرط وإنما هو إرشاد للأصلح. قوله: (وصبركم الخ) إشارة إلى ا!
إن مصدرية وقيد العفة مأخوذ من الصبر الذي هو خير فإنه لا يكون إلا مع العفة والحديث المذكور في مسند الديلمي والفردوس عن أبي هريرة رضي الله عنه وهو كقوله:
ومن لم يكن في بيته قهرمانة فذلك بيت لا أباً لك ضائع
وقوله:
إذالم يكن في منزل المرء حرة تدبره ضاعت مصالح داره
قوله: (لمن لم يصبر الخ) إنما عبر بالمغفرة فيه تنفيراً عنه حتى كأنه ذنب. قوله: (ما تعبدكم به من الحلال والحرام الخ) إشارة إلى مفعول يبين المقدر، وفيه ربعل للآيات السابقة باللاحقة إنّ ما قبله في النساء والمناكحات وما بعده في الأموال والتجارات، وهذه قد توسطتهما كالتخلص من أمر إلى آخر يناسبه وذكر السنن من حسن التخلص. قوله: (وليبين مفعول يريد الخ) هذا التركيب وقع في كلام العرب قديماً كقوله، أريد لأنسي ذكرها، وخرجه النحاة على مذاهب فقيل مفعول يريد محذوف أي تحليل ما حلل وتحريم ما حرّم ونحوه واللام لام التعليل أو العاقبة أي ذلك لأجل التبيين ونسب هذا لسيبويه فمتعلق الإرادة غير التبيين وإنما فعلوه لثلا يتعذى الفعل إلى مفعوله المتأخر عنه باللام، وهو ممتنع أو ضعيف وقيل: إنه إذا قصد التأكيد جاز من غير ضعف، وسمي صاحب اللباب اللام فيه لام التكملة وجعلها مقابلة للام التعدية، وأما جعل الفعل مؤوّلاً بالمصدر من غير سابك على أنه مبتدأ والجار والمجرور خبره أي إرادة الله كائنة للتبيين فتكلف، وان ذهب إله بعض البصريين فكان مذهبهم عدم اشتراط السابك، ومذهب الكوفيين أنّ اللام هي الناصبة من غير تقدير إن ولذا قيل على ما ذهب إليه المصنف تبعاً للزمخشريّ من أنه مفعول واللام زائدة إنه مخالف لمذهب البصريين والكوفيين معاً مع أن أن لا تضمر بعد اللام إلا وهي لام تعليل أو جحود وقد جوّز في الآية أن يكون يبين ويهدي تنازعا في سنن وهو حسن وكون اللام لتأكيد الاستقبال لأنها لا تكون إلا لما يستقبل بنفسه، أو بإضمار أن وكي بعدها والإرادة لا تكون أيضاً إلا لمستقبل أي إنه يلزم استقبال تعلقها ومتعلقها فلا يرد أنّ إرادة الله قديمة. قوله: (كما في قول قيس بن سعد رضي الله عنهما الخ) وسبب هذا الشعر كما في كامل المبرد، وغيره إنّ عظيم الروم بعث إلى معاوية
رضي الله عنه بهدية مع رسولين أحدهما جسيم طويل جداً، والآخر أيد قوي ففطن معاوية رضي الله عنه لمراده فقال لعمرو بن العاص رضي الله عنه أما الطويل فإني أجد مثله فمن للأيد فقال: أرى له أحد شخصين محمد ابن الحنفية أو عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما فقال: أجل برّدت قلبي، ثم أرسل إلى قيس رضي الله عنه وعرفه الحال فحضر فلما تمثل عند معاوية لما أراد نزع سراويله، ورمى بها إلى العلج الطويل فلبسها فنالت ثندوته وأطرق مغلوبا فلام الحاضرون قيساً على نزعها بين يدي معاوية وتبذله عنده وقيل له هلا ذهبت وبعثت بها فقال: أردت لكيما يعلم الناس أنها سراويل قيس والوفود شهود
وأن لا يقولوا غاب قيس وهذه سراوبل عاد أودعته ثمود
واني من القوم الثمانين سيد وما الناس إلا سيد ومسود
وبد جميع الخلق أصلي ومنصبي وجسمي به أعلو الرجال مديد


الصفحة التالية
Icon