لأنه أنسب بما قبله وما بعده من البخل إذ البخل- وكتمان النعمة توأمان، وأشار بما بعده إلى جواز حمله على ظاهره، وهو وان كان ظاهرا بحسب اللفظ لكنه بعيد عن السمياق وقوله: (تنصحا) بمعنى تكلفا للنصح، واظهارا للغش في صورته، وأما على ما بعده فقيل في وجه المناسبة إنهم بخلوا بما عندهم من نعمة العلم وأمروا أتباعهم بذلك أو هم بمنزلة الآمرين بذلك لعلمهم باتباعهم لهم وذكر ضمير التعظيم في اعتدنا أيضاً للتهويل لأنّ عذاب العظيم عظيم، وغضب الحليم وخيم والمراد بنعمة الله الجنس، فلا يقال الظاهر نعم الله، وجعل البخل والإخفاء إهانة للنعمة لأنه في الأكثر لجحودها أو عدم الاعتداد بها أو لأنه يشبه الإهانة لأنه فعل ما لا يليق بها: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [سورة الضحى، الآية: اا] وكونها نزلت في اليهود أخرجه أبن إسحق وابن جرير بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وكذا ما بعد. أخرجه ابن أبي حاتم لكن سنده ضعيف. قوله: (لأنّ البخل والسرف الخ) المراد بالسرف التبذير لأنه في غير محله وقوله: (خبره محذوف الخ) أي قرينهم الشيطان، وليتحروا أي يقصدوا بالحاء المهملة. قوله: (تنبيه على أنّ الشيطان الخ) أي تنبيه على الخبر المقدر كما تقدّم وعدل عن الظاهر لتعينه، والمراد التنفير عن اتباعه، قيل: والمراد بأعوانه الداخلة قبيلته وبالخارجة الناس التابعون له، أو الداخلة في الإنسان قواه النفسانية وهواه، والخارجة صحبة الأشرار وقيل الأولى النفس والقوى الحيوانية، والخارجية شياطين الإنس والجن وساء بمعنى بض من أفعال الذم الملحقة بالجامدة ولذا قرنت بالفاء، ويحتمل أن تكون على بابها بتقدير قد كقوله: ﴿وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ﴾ [سورة النمل، الآقي: ٩٠ لح. قوله: (أي وما
الذي عليهم أو أيّ تبعة تحيق بهم الخ) أشار إلى وجهي ماذا من كون ما استفهامية وذا بمعنى الذي موصولة وكون المجموع كلمة اسنفهام بمعنى أي شيء والتبعة الوبال والضرر وقوله: (بسبب الإيمان الخ) إشارة إلى أنّ جملة ماذا بمعنى جواب الشرط مسبب عنه لكونه بمنزلته في الدلالة عليه، ولو قيل إنها هنا بمعنى إن وقيل: إنها مصدرية وقيل إنها جملة مستأنفة جوابها مقدر أي حصلت لهم السعادة ونحوه. قوله: (وهو توبيخ لهم على الجهل بمكان المتقعة الخ) أي بالمنفعة وموقعها يعني أنّ السؤال بحسب الظاهر عن الضرر المترتب على ذلك ومعلوم أنه لا ضرر فيه فالمقصود توبيخهم على اجتناب ما ينفع كما يجتنب عما يضر كما يقال للعاق ما ضرك لو كنت باراً وهو أسلوب بديع كقوله:
ما كان ضرّك لومننت وربما من الفتى وهو المغيظ المحنق
ولولا هذا لم يستقم لأنه معلوم أنّ كل منفعة فيه فلا معنى للاستفهام بأنه أفي ضرر فيه والضرر مستفاد من على ويؤدّي بهم ضمن معنى يصل بهم والا فهو متعد بنفسه، ووجه التنبيه المذكور ظاهر. قوله: (وإنما قدم الإيمان الخ (المراد بالاية الأخرى والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله الخ، والتحضيض بضادين معجمتين بمعنى الحث، يعني أنّ عدم الإيمان ثمة ذكر لتعليل ما قبله من وقوع مصارفهم في دنياهم في غير محلها كما أشار إليه فيما سبق بقوله: ليتحرّوا الخ ولو قيل لأنّ المراد به الإسراف الذي هو عديل البخل فقدم لئلا يفصل بينهما على تقدير العطف لكان له وجه، وهنا ذكر للتحريض فينبغي أن يبدأ فيه بالأهم فالأهم، وثمّ بالفتح اسم إشارة وترسم بالهاء السكتية أيضا، وكون ذكر علمه للوعيد مر تحقيقه. قوله: (لا ينقص من الأجر ولا يزيد الخ) الظلم كما قال الراغب: في مفرداته عند أهل اللغة، وضع الشيء في غير موضعه المختص به إما بنقصان أو بزيادة أو بعدول عن وقته أو مكانه اهـ، فمن قال إنه ليس معنى حقيقيا للظلم حتى يلزم عدم تحقق الظلم بوقوع أحدهما دون الآخر فالأولى
أن يقال إنّ الظلم الضر بما لا يستحقه فما ذكر تفصيل له بإيراد أنواعه لم يصب، ثم إنه جعل نفي أدنى ما يكون من الظلم كناية عن إعطاء الأجر والثواب بتمامه من غير نقصحان، وعن عدم زيادة في عقاب السيئة أدنى شيء فلولا أنّ ترك هذا الإعطاء والمنع ظلم لما صحت الكناية ويدل على القصد إلى هذا قوله: ( ﴿وَإِن تَكُ حَسَنَةً﴾ الخ) قال المحقق: هو لا يفعل الظلم لمنافاته الحكمة لا القدرة لأنّ الظاهر من قولنا فلان لا يفعل كذا في الأفعال التي هي اختيارية في نفسها، أنه تركه باختياره


الصفحة التالية
Icon