والقادر على الترك قادر على الفعل والتمدح بترك الفعل الاختياري لا يغون إلا حيث يمكن فعله بخلاف غير الاختياري مثل لا تاخذه سنة ولا نوم، فإنّ التمدح بتنزهه عنه وعدم اتصافه به مبناه على أنّ مدلول الكلام الترك لا عدم الاتصاف، وقد يقال: إن الظلم أي وضمع الشيء في غير موضعه ممكن في نفسه وقدرته تشمل جميع الممكنات ويتوجه مغ إمكان ظلمه كنومه، وأما استحالته في الحكمة فلأنها إتيان بالفعل على ما ينبغي، وعلى أن يتعلق به غرض صحيح والقبيح لا يكون كذلك بالنسبة إلى الغني المطلق، وعندنا أيضا أنه لا ينقص عن الأجر ولا يزيد في العقاب بناء على وعده المحتوم فإنّ الخلف فيه ممتنع لكونه نقصا منافيا للألوهية وكمال الغني وبهذا الاعتبار يصح إن يسمى ظلماً، وان كان لا يتصوّر حقيقة الظلم منه تعالى لكونه المالك على الإطلاق، فاحفظه ف! نه مهم ونزل عليه ما يقع من المصشف من أنه لا بد من ثواب المطيع وعقاب غيره وأنه ليس مبنيا على الاعتزال والأصلح وارتباطه لما فيه من تحقق الجزاء بما قبله من الحث على الإيمان والإنفاق ظاهر.
قوله: (وفي ذكره إيماء الخ) يعني لم يقل مقدار ذرّة ونحوه ل! شارة بما يفهم منه الثقل
الذي يعبر به عن الكثرة والعظم كقوله تعالى: ﴿فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ﴾ إلى أنه وان كان حقيرا فهو باعتبار جزائه عظيم ولذا رتبه على أخذه من الثقل. قوله: (وأنت الضمير لتأنيث الخبر الخ) في تأنيثه وجوه فقيل لتأويل المثقال بالزنة، وقيل: لأنّ المضاف قد يكتسب التأنيث من المضاف إليه إذا كان جزأه نحو:
كما شرقت صدر القناة من الدم
أو من صفته نحو لا تنفع نفسا إيمانها في قراءة ومقدار الشيء صفة له، أو هو لتأنيث الخبر أو الضمير عائد على المضاف إليه فإن قلت تأنيث الخبر إنما يكون لمطابقة تأنيث المبتدأ فلو كان تأنيث المبتدأ له لزم الدور قلت إنما ذاك إذا كان مقصوداً وصفيته والحسنة غلبت عليها الاسمية، فألحقت بالجوامد التي لا تراعي فيها المطابقة نحو الكلام هو الجملة. قوله: (وحذف النون من غير قياس الخ) وجه الشبه غنتها وسكونها وكونها من حروف الزوائد ولكثرة
دوره جاز فيه على خلاف القياس بشروطه وفيه مخالفة له أخرى، وهو عدم عود الواو المحذوفة لالتقاء الساكنين بعد حذفها. قوله: (يضاعف ثوابها الخ) مضاعفة نفس الحسنة بأن تجعل الصلاة الواحدة صلاتين مما لا يعقل، وما في الحديث من أنّ تمرة الصدقة يربيها الرحمن حتى تصير مثل الجبل محمول على هذا للقطع بأنها أكلت واحتمال إعادة المعدوم بعيد، وكذا كتابة ثوابها مضاعفاً، ومضاعفة الثواب بحسب المقدار كما اختاره الإمام وقيل بحسب المدة لأنّ الثواب منفعة دائمة وهو من أوصافه الذاتية فيتحقق في كل ثواب البتة، ويحسن عطف التفضل عليه بقوله: ويؤت من لدنه أجراً عظيما، وهو المضاعفة بحسب المقدار ولذا فسر الثواب بالمنفعة الخالصة الدائمة للتنبيه على هذا وفيه بحث. قوله: (وكلاهما بمعنى) هذا هو المختار عند أهل اللغة والفارسي.
وقال أبو عبيدة ضاعف يقتضي مراراً كثيرة وضعف يقتضي مرّتين، وردّ بأنه عكس اللغة
لأنّ المضاعفة تقتضي زيادة المثل فإذا شدد دلت البنية على التكثير فيقتضي ذلك تكرير المضاعفة وقد مرّ فيه تفضيل. قوله: (ويعط صاحبها من عنده الخ) إشارة إلى أنّ لدن بمعنى عند هنا وإن فرق بينهما بأنّ لدن أقوى في الدلالة على القرب، ولذا لا يقال لدفي مال إلا وهو حاضر بخلاف عند، وتقول: هذا القول عندي صواب ولا تقول لديّ ولدني كما قاله الزجاج رحمه الله تعالى وفيه نظر لأنه شاع استعمال لدن في غير المكان كقوله: ﴿مِن لَّدُنَّا عِلْمًا﴾ [صورة الكهف، الآية: ٦٥] ومحصل تفسيره إنّ الأجر مجاز عن التفضل لأنه قال يضاعفها والمضاعفة هي الأجر، فوجب حمل هذا على معنى زائد على الأجر، وهو التفضل ولذا قرن معه من لدنه، وهذا القول يقتضي تقدير الثواب وأنه بالاستحقاق لا بالتفضل، وتسميته بالأجر تسمية له باسم مجاوره، وقيل عليه إنه تعسف إنما يصار إليه إذا قدر مضاف أي يضاعف ثوابها وأما إذا جعلت الحسنة نفسها مضاعفة كما صرّح به في الأحاديث، وترك الأجر على ظاهره ليعلم أنّ الأجر تفضل منه وأنه من لدنه لا باستحقاق العمل كما هو مذهب أهل الحق فأيّ حاجة لنا إلى ارتكاب هذه التعسفات، والعجب من القاضي وصاحب التقريب والانتصاف كيف لم ينبهوا عليه ولم ينتبهوا له، وهو


الصفحة التالية
Icon